🔺يسعى بعض الباحثين الجُدد في فضاء الإنترنت،إلى التضخيم والتهويل فيما يخصُّ معركة إيسلي عام 1844م،بغرض التسويغ والتماس الأعذار لإبرام سُلطان إيالة مراكش،عبد الرحمن بن هشام، معاهدة (طنجى) مع الفرنسيين تنصُّ في باطنها على مُحاربةابن مُحيي الدين،وإلقاء القبض عليه…
والأنكىَ أنهم يُحَمِّلُون،الأميرَ المسؤولية ويَرْمُونَه بعبارة:〖وكَادَ يلتهم المغرب〗
ويظنون أنهم،بتحميل الأمير عبد القادر المسؤولية،وتبرئة سلطانهم من الغدر،وإنكار التنكيل باللاجئين من جيش الأمير داخل التراب المغربي،يظنون أنهم يُحسِنون صنعاً،والحقيقة أنهم يُسيئون لتاريخ شعب المغرب،المعروف بمواقفه المشرفة،التي تشهد لها انتفاضتُه في وجه سلطان مراكش،ومعارضته للاتفاقية المخزية،مع فرنسا وهذه المواقف من الأثار الباقية،التي تدل على أصالة الشعب المغربي،الذي أبَى تبرير الاتفاقية المخزية،أو المرور بسذاجة وسطحية بحسب الأهواء السياسة،على الأحداث التي سجلها التاريخ،كما أبَى الدعوات إلى طمس الدماء التي سُفكت من شهداء جيش الأمير المحمدي على التراب المغربي،فما حُجَّة الباحثين المعاصرين في التبرير والإنكار والمواقف المائعة،التي رفضها أجدادهم من أبناء الشعب المغربي الأصيل،في حقبة الأمير…
🔺إن معركة إيسلي لا تصحُّ تسميتُها حتى بالحرب،وذلك لفراغ محتواها من الجولات والصولات، وما جرى فيها من أحداث وماسقط فيها من ضحايا يرشِّح تسميتها الصحيحة أن تكون:﴿مَرعَبةُ إيسلي﴾
● يُصِرُّ بعض الباحثين في التاريخ على منهج:اكذب حتى يصبح الكذب حقيقة تاريخية،على تضخيم أحداث معركة إيسلي،بقصد التدليس على الحقائق،والتبرير لعمالة عبد الرحمن بن هشام لفرنسا…
إن مُعاهدة إيسلي،في حقيقتها،هي اتفاقية لا معاهدة هدنة بالمقاييس العسكريةوالحربية،وأهم بنودها القضاء على الأمير عبد القادر كليّاً وحلمه في تحرير البلاد…
٭تفاصيل الحقيقة باختصار٭
🔺بدأت بابن الكناوي ليوم واحد، ثم قصف الصويرة من البحر ليوم واحد أيضًا،نتج عن القصف تهدُّم سور المدينة دون وقوع ضحايا أو حدوث اشتباكات،ثم جاء محمد بن عبد الرحمن،ولي عهد مراكش،على إثر القصف،ومعه عشرون ألف جنديّ،فاشتبك مع الفرنسيين واستمرت المعركة يومًا واحدًا،كانت فيها الغلبة لجيش فرنسا،وفرّ ابنُ السلطان،تاركاً شمسيته وأسلحته وعاد بالجموع ذاتها التي جاء بها…
● من يعود إلى المصادر الرئيسة لتلك الحقبة سوف يجدها مطابقة لفحوى هذا المقال،على عكس بعض المراجع والآراء المعاصرة،سواء الجزائرية أو المغربية،التي يسعى أصحابها إلى التدليس والتسييس، ويعملون على طمس الأحداث والتفاصيل لتلك الحقبة،وهذا النوع من الكُتّاب هم أساس المشكلة الثقافية،وعنوانٌ الجهل الحاصل الآن في تاريخ البلدين،وإن كل ما بُني على مبالغات معركة إيسلي وتهويلها من قبل المعاصرين غايته تبرير عمالة جد الملك الحالي على حساب تاريخ وماضي الأمير عبد القادر،على مبدأ: يكتب التاريخ المنتصرون،وما على المهزوم إلا قبول الهزيمة وتبعاتها،من الاتهام بالخيانة والاستسلام…
● على حين يحق لجماعة الأمير عبد القادر التشهير والمطالبة بفتح ملفات المقابر الجماعية لذويهم في المغرب الأقصى،والساكت عن الحق مجرد شيطان أخرس…
🔺يقول الفريق مُحمد باشا في تحفة الزائر،وهو أعلم منا بأحداث زمانه وبشؤون فرنسا والمغرب خاصة أنه ليس مجرد أديب ومؤرخ بل هو رجل دولة،وضابط عسكري كبير يعلم خفايا الأمور ويُتقن توصيف الوقائع وتحليلها،
يقول في مذكراته:
●وصل الجنرال بيجو مقام السيدة مغنية،وفي هذه الأثناء تقدَّم ابنُ الكناويّ في لمّةٍ من خيله نحو الجيش الفرنسي،في صورة سلمية وبينما هما يتحادثان إذ هجمت فرقة من أهل المروءة،دون إذن من ابن الكناوي،فوقع بين الفريقين معركة شديدة،كانت الهزيمة فيها على جيوش ابن الكنَّاوي،فتفرَّقوا وفرُّوا من كل حدب وصوب،ثم تراسل بيجو والكناوي قائلاً:تلك أعمال الشغب تُفسَّرَ على أنها خيانة للفرنسيين،وعزم على الاستيلاء على أراضي شرق المغرب،فأجابه الكناوي معتذراً إليه،ويعترف بذنب فئة من جيشه لم تمتثل للأوامر،وتنصَّل من تَبِعة ما وقع…
● فكتب إليه بيجو: إنّ المقصودَ الأهمَّ هو شأنُ الأمير عبد القادر،وترسيمُ الحدود،وبهذا نأمَنُ ونُحافظ على شرف مولاكم عبد الرحمن بن هشام،فليس مقصودنا بلادَكم،ولم تسجل هذه المعركة أي ضحايا تُذكر،تستعدي العذر،فانتهت قصة ابن الكناوي بهذه البساطة بعد معركة ليوم واحد يُضخِمُها المتسلقون على التاريخ،وكأنها معارك تاريخية وملاحم دموية كبيرة فالذي جرى بعدها أن ابن الكناوي تأخَّر في مراسلة بيجو،والتعهد بالخضوع لأوامره،فهاجم بيجو وجدةودخلها دون عناء بعد أن فرَّ أهلها وتفرَّقوا في الجهات…
● قال شرشل البريطاني في مصدره: ثم إن فرنسا لم تكتفِ بهذا،بل أرسلت بوارجَها إلى طنجة،فأطلقت عليها نار مدافعها،وانهارت بعضُ أسوارها،ونشأ عن ذلك هيجان في فاس،عاصمة مراكش حينها،والهياج هو الذعر بين السكان،حتى دوَّن بعضُ المؤرخيين الفرنج نقلاً عن الصحف: لقَّبت المارشال بيجو على سبيل السخرية ﴿بـ دوق إيسلي﴾ لانتصاره بيوم واحد،ما جعل المغربيين يغضبون على تقاعس سلطان مراكش،فجهَّز عبد الرحمن،لحفظ ماء وجه،وليَّ عهده محمد في عشرين ألفًا من الجنود، والأمير عبد القادر كان يراقب كل تلك المناطق،فشاهد تحركه واندفاعه،فأرسل له يحذِّره من مهاجمة الفرنسيين بتلك الطريقة، التي تدلُّ على قِلّة الخبرة العسكرية في محاربة الجيوش النظامية، ومتمنياً في باطنه إشراكه فيها فاستكبر الصَبي مغترّاً بكثرة العدد ممَّن حوله على الأمير برأيه والأميرُ كانَ حينها الخبيرُ الأكبر في بالحروب وكواليسها…
● وزحفَت هذه الحشود حتى وادي إيسلي،بالقرب من وجدة،وكذلك زحفت القوات الفرنسية حتى وصلت إلى معسكر ولي عهد مراكش في منطقة إيسلي،واشتبك الفريقان على النهر،وفي آخر ذلك النهار انكسر جيش مراكش،ولاذوا بالفرار، وعمل فيهم السيف والبندقية،واستولى الفرنسيون على سائر المعسكر في يوم واحد،بما فيه من أموال وذخائر ومؤن، منها اثنا عشر مدفعاً،وخيمة ولي العهد وشمسيته،وآبَ المغاربة عموماً بهزيمة شنعاء إلى آخر الدهر…
● كانت هذه الوقعة أول وآخر معركة بين الفرنسيين وسلطان مراكش وبني مخزنة…
● لا مانع من إقامة معاهدة (هدنة) مع العدو، فهذا جائز في شريعتنا والشرائع كافة،ولكن يُشترط في المعاهدات الصحيحة،من الناحية الشرعية والمصلحة،أن تعود على المسلمين بفائدة،كأن تأتي في حالات التقهقر والتعب ونفاذ المؤن وكثرة الجرحى وراحة الجيوش،أما ما حصل في إيسلي فكان في غاية الخزي والعار،إذ إن من بنودها الاتفاق ضمنيّاً على محاربة الأمير وجيشه،وهم إخوة وجيران وأصحاب حق مشروع في مقاومة المحتل…
أغرب ما جاء في بنود الاتفاقية:
◥⓵❗️سرعة ارتحال العساكر المراكشية من وجدة وغيرها من مناطق الحدود، أي منع جيش مراكش من الانتشار في الشرق المغربي،فكيف إذا أضفنا حقيقة أن هذه الأراضي من الريف المغربي لم تكن لمراكش سلطة مباشرة على سكانها في حينها…
◥⓶❗️ القصاص على الذين تعدَّوا الحدود الفرنسية،ليعترف سلطان مراكش أن حدود الجزائر حدود فرنسية معه، وبهذا يسجل التاريخ أن أول من اعترف بالجزائر فرنسية هو عبد الرحمن بن هشام…
◥⓷❗️إخراج الأمير عبد القادر من البلاد ظاهراً،وباطناً شَنَّ المخزن على الأمير وجيشه أربع حملات عسكرية، تضمَّنت عشرات المعارك بين عامي 1845حتى نهاية 1847م،وقعة تافرسيت و القلعية و وقعة بنو عامر أطراف فاس وسلوان وملوية، استشهد فيها أغلبية الجيش المحمدي،فضلاً عن رمي الفتن والدسائس وتقليب وتأجيج كل القبائل ضد الجزائريين…
◥⓸❗️ترسيم حدود فاصلة بين حكومة فرنسا وحكومة المغرب،
ويقول الفريق محمد باشا شاهداً على أن أكثرية الشعب المغربي كانت ضدَّ هذه الاتفاقية، وكانت بقلوبها مع إخوتهم الجزائريين:
ولما شاع خبر هذه المعاهدة في نواحي المغرب الأقصى كبر ذلك في نفوس أهلها،ونسبوا هذا العار لسلطانهم وقوادالجيوش،وبدأ الكثير من زعماء القبائل والتجار وكبار رجالات الدولة من أهل المروءة والشرف والنخوة بالإقبال على الأمير عبد القادر،يكاتبونه في ذلك، ويُحرِّضونَه على خلع سلطان مراكش عبد الرحمن بن هشام ،فلم يقبل ذلك منهم مُجيباً: على الدوام دخلتُ بلادَكم لا لأكونَ ضِدَّه،أو لنأخذ منه مُلكَه، إنْ هدفي إلا تحرير البلاد من الفرنجة…
🔺المصدرالأساسي: مخطوطة تحفة الزائر لعام 1890م للفريق محمد باشا بن الأمير عبد القادر …
🔺مذكرات الكولونيل والقنصل البريطاني
شارل هنري تشرشل…
🔺المصدر : الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصىٰ…
يُقر فيه الناصري السلاوي ،وهو كبير المنافقين والمتملقين ممن كانوا يُشرفون على تدليس ماضي الأمير عبد القادر وما جرى في تلك الأحداث،
باستكبار محمد بن عبد الرحمن على الأمير نصيحته الحربية مع الفرنسيين وأن الأمير كان على حق
المشار اليها بالسطر الملون بالأخضر…