🔺هو الأخ الأصغر للإمام مُحيي الدين بن المصطفى…
سمّاه بهذا الاسم والدُه الإمام مصطفى تيمُّنناً بالإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه…
🔺وُلد رحمه الله عام 1198هـ، بالقرب من معسكر، وبعد وفاة أبيه الإمام مصطفى تربَّى في كنف أخيه الأكبر الإمام مُحيي الدين…
اشتغل العلّامة علي بو طالب في طلب العلم، وجمع بين علوم الشريعة والحقيقة، وكان ذا صورة حسنة وهيبة، وتوفي رحمه الله عام 1842م، ودُفن في أطراف تلمسان …
وقد وردت ترجمته السابقة في كتاب: تعريف الخلف برجال السلف، للحفناوي…
وحاولنا البحث عن سيرته في المصادر عامة، لكننا وجدنا أن التدوين عنه كان قليلاً أو نادرًا…
🔺وقد أورد صاحب تحفة الزائر: نصَّ مبايعته للأمير عبد القادر، وهو:الحمد لله،وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله …
بعد انعقاد البيعة للإمام الأعظم، والسلطان الأفخم، ابن أخينا السيّد عبد القادر بن محي الدين؛ أحيا بهما الله الدين، وأعانهما الله على القيام بأموره. ودمرَّ بهما الكفرةْ، أولى العناد. وأهلك بسطوتهما؛ أهل البغي والفساد؛ بايعناه على: السمع، والطاعة، وامتثال الأمر، ولو في ولد الواحد منَّا، أو نفسه وقدَّمنا نفسه على أنفسنا، وحقَّه على حقوقنا وإني أوصيه بتقوى الله، وطاعته في السرّ والعلانية، والوقوف عند الحدود الشرعية، وردّ مسائل الشرع إليه وبتشميره عن ساعد الجِدّ، في قطع شأفة شياطين الإنس، أهل الأذاية كـ: المحاربين، وقطاع السبل، وأهل الغِيلَة، والسرقة، وغيرهم من هذا القبيل ليتمَّ بذلك أمره، ويتضح به، تأييده و نصره وتشرق شمس الحقِّ على القلوب، و تطمئن بخدمته وطاعته الأفكار ويسارع المؤمنون إلى الانقياد والإذعان لتكاليفه وأوامره اللهم أيده وانصره نصراً تُعِزُّ به الدين وألقِ التقوى في قلبه، و قوة اليقين بجاه سيّد الأوَّلين والآخرين وأحيي به ما دُثِرَ من أحكام الخلفاء الراشدين
يا مالك الدين والدنيا و الآخرة وأدام سرورنا و سرور جميع أهل محبته و محبتنا وأتمم لنا المقصود،بما ينقطع به قلب الجحود آمين…
🔺ثم جاء ذكر للمجاهد علي بو طالب في حضوره فضَّ معاهدة ديميشيل في مجلس الأمير، ثم كان إلى جانبه في معركة المقطع، وحيث إن جيوش الأمير أجهدهم العطش، وطال عليهم القتال أيامًا طوالاً،ورأوا أن العدو قد انهزم،فتفرقت جموعهم عن الأمير، وبقي وحده شرقي الوادي، والفرنسيون غربه، وظنَّت الجيوش المُحَّمدية أن العدو بدأ الانسحاب من غرب الوادي إلى وهران، بينما كان يُعيد تحصيناته
وذكر صاحب التحفة أن من بين الأعيان الذين بقوا إلى جانب الأمير في تلك الواقعة عمه السيد علي بو طالب،وله قصيدة قالها في معركة المقطع …
هنيئًا لك البُشرى نُصِرَت على العِدى
ودَمَّرتَ جيش الكفر بالقتل والخسفِ
وحُزتَ مقامًا دونه كلُّ باسل يرى الحرب ميدان الخلاعة والقصفِ
بجيش عظيم قد تفرَّدَ في الوغى له سُطْوةٌ عَزَّتْ وَجَلَّت عن الوصفِ
ليومين من عرب وسُعْدى بِشَطِّنا تطوفُ بكأس الراحِ مخضوبة الكفِّ
تُعاطيكَ طورًا من لهيبٍ ومن لظًى وآونةٌ تأتيك بالقَرْقَفِ الصِّرفِ
ولمَّا تَوَلَّتْ خيلُنا ورجالنا مددنا لهم أيدي النزال إلى السيفِ
بكلِّ جوادٍ يسبقُ البرقَ عدوهُ وآخرَ يطوي الأرض كالريح والطَّرفِ
نهارٌ بَدَا كالليل أظلمَ حالكًا أصبنا لهم الغي قتيل من النصفِ
قَلَبْنَا لهم ظهر المَجَنِّ عشيَّةً فمالوا إلى حُبِّ الحياة عن الحتفِ
وبدد شَمْلَ المشركين بنصرةٍ أزالت غياهِبَ الضلالة باللُّطفِ
إمامٌ له تبدو المعالي بقُطرِنا فـ لله ذاك الفرْدُ قد قيس بالألفِ
أميرٌ شريفٌ في البريَّةِ مفردٌ وفرعٌ لـ محيي الدِّين أغنى عن الوصفِ
صرِفْنا بهِ غمَّ الزمان وكَرْبه وغِبْنَا عن الدَّهر المروَّع بالصَّرفِ
إلى أن قال:
وتبّني أصولَ الحبِّ فيك على الوفا إذا ما بَنَاهَا الكافرونَ على حَرفِ
يُحَييك دهرٌ أنت ظرفُ ودادهِ وما كلُّ خِلٍّ طَرْفُه لك كالظَّرْفِ
وإِنَّ أخا الودِّ الذي عمَّ فضلُهُ ليقنع من تلك الشمائلِ باللُّطفِ
ألا لا أرانا الله فيك إساءة فَدُمْ لعروسِ المُلْكِ زاهية العطفِ
🔺ثم لما توفي العلّامة المجاهد علي بو طالب،في عام 1842م، كان حينها الأمير في مرحلة بداية النهاية، أيام سقوط المدن، ومرحلة العاصمة المتنقلة، تنتقل من مكان إلى آخر،بحثاً عن الأمن والأمان، نظرًا إلى حروب الكَرِّ والفَرِّ…
🔺خلَّف السيد علي بو طالب من الأولاد الذكور خمسة: السيد الحسن، ومصطفى، وعبد القادر، وأحمد، والميلود، ومن الإناث السيدة خيرة، إحدى زوجات الأمير عبد القادر…
ذُكر في طلوع سعد السعود للمزاري المخزني، عن الأبناء في الصفحة 244: بعد مرحلة انهيار دولة الأمير، ولجوئه للريف المغربي عام 1846م، وانغماسه في حروب الدفاع عن النفس ضد جيوش مراكش المتحالفة مع الجيوش الفرنسية، رحلَ كل من أحمد بوطالب، وأخوه الميلود، إلى سلطان مراكش عبد الرحمن، بطلب اللجوء، فوافقهم إلى ذلك…
وحادثة تواصلهم مع سلطان مراكش،وطلب اللجوء إليه، ننقلها كما أوردها المزاري حرفياً…
🔺ذكر المزاري واقعة تحتاج إلى تحقيق أكثر، هل الحادثة تلك كانت مكيدة على السلطان، أم عوناً له ضد الأمير عبد القادر؟ جاء حرفيّاً في طلوع سعد السعود.
قالوا للسلطان عبد الرحمن:
﴿ لنا علم بحيل الأمير وحربه، فجَهِّز لنا جيشاً نذهب به لحربه، لإجلائه عن طاعتك أي إخراجه من الأرض التي تحت سلطانك أو الإتيان به حيّاً أو برأسه ميِّتاً ﴾ …
فوافقهم، إلا أن مجلس الشورى والحكومة لدى السلطان عبد الرحمن بن هشام، عارضوه، وطالبوا بإبطال ذلك، مُعلّلين له حرفيّاً: إذا كان أميرهم وقريبهم، الذين كانوا في نعمته وحرمته، فلا ريب أنهم يخدعونك، فاطردهم، فكان من عبد الرحمن أن ألزمهم السكنى في ضيافته بمراكش…
ونحن لم نستطع تأكيد هذه الحادثة أو نفيها، فلم نجد في المصادر الوطنية، ولا في المصادر الغربية، ذِكر لأي مشاركة لأبناء العلّامة المجاهد علي بو طالب، أو وقوف إلى جانب الأمير، في الحروب الأخيرة الدامية، التي خاضها مع جيوش مراكش، ولكن المصادر تلك فنَّدت المآسي التي خاضها أبناء الإمام مُحيي الدين مع صفوة المؤمنين من الجيوش المحمدية،ومنهم من استشهد،ومنهم من أُسر أبنائه أمام أعينه،وتم التعتيم عن تلك المآسي تعتيمًا يدعو للشك والريبة …
🔺 إلا أنه ورد في تحفة الزائر أسماء اثنين من أبناء السيد علي بو طالب: الحسن و مصطفى، اللذين رافضا البقاء في مراكش، فانتظرا فرصة فك قيد الأمير من الأسر الفرنسي، فراسلوه من طنجة، فرحَّب بطلبهم مرافقته إلى المشرق العربي…
وقد توفِّي السيد مصطفى بن علي بو طالب، ولم يعقب ذرية، في الديار الشامية، على حين أن الحسن أنجب السيد عبد العزير، ومن حفدته وذريته مِمن عادودا إلى الجزائر بعد الاستقلال عام 1962م، كالسفير إدريس الجزائري بن محمد علي بن عبد العزيز بن الحسن بن علي بو طالب، وكذلك عاد السيد نزار بن خالد بن عبد العزيز بن علي بو طالب بن المصطفى، رحمهم الله…
وقد حملا لقب الجزائري على عادة الإدارة العثمانية في سجلاتها، حيث كان كل من يهاجر يُلقَّب ببلده الأصلي، الذي هاجر منه، وبقي باقي أبناء وذراري العلّامة علي بو طالب في الجزائر طيلة فترة الاحتلال الفرنسي، ولم يكن مشروطًا أو ممنوعًا عليهم السكن في الجزائر، كما كان على أبناء الإمام مُحيي الدين…
🔺وردتنا أسئلة في السابق عن نسب آل بو طالب، الذين أسَّسو مؤسسة تحمل اسم الأمير في التسعينيات، وهل هم من حفدة الأمير عبد القادر.
الجواب: لا، ليسوا من ذرية وسلالة الأمير، ولا من ذرية الإمام القائد مُحيي الدين بن المصطفى، بل يلتقون بالنسب الواحد مع الأمير عبد القادر في جدهم الأكبر المصطفى بن محمد المجاهد، وحملوا لقب بو طالب على عادة الأصول والأعراف، إذ يُكنى المسلم بمن ينتسب إليه من أجداده، وكانت مسألة الانتساب إلى غير الآباء والأجداد مسألة مشينة، قبل أن تميع الأنساب في المجتمع الجزائري، بتأثير الثقافة الفرنسية…
ونلاحظ في قصيدة العلّامة علي بوطالب أنه كان مطواعًا للشرع والأصول، منضبطًا بمبادئهما، ويظهر ذلك في مدحه أبناء عمه بقوله:
🔺وفرعُ لـ “محيي الدِّين” أغنى عن الوصف…
🔺المصدر طلوع سعد السعود: للمزاري تحقيق المؤرخ يحيى بوعزيز…
🔺المصدر تحفة الزائر: للفريق محمد باشا