🔺ما طمسه مؤرخو المغرب الأقصى عن قتل واستشهاد وزير الدولة المراكشية محمد بن إدريس بن عبد الله العمراوي الإدريسي الحسني، المولود في فاس عام 1794م، والمتوفى في 12- ديسمبر 1847، إعداماً على الطريقة اللا أخلاقية، التي ألفها عبد الرحمن بن هشام…
🔺قيل يلجأ الإنسان إلى خفايا التاريخ ليتذوق طعمَ أسراره، ولينغمس فيه بحثاً عن مفاتنه، لإسقاط ستائر الظلام حوله…
🔺يعود الفضل لمن أَفشى خبايا وتفاصيل مقتل الوزير محمد بن إدريس،للمزاري المخزني،الذي فَضحَ ما جرى داخل القصر،وكان معاصراً للاحداث…
والمزاري لم يكن مجرد مؤرخ أو شاهد عادي بل هو وجيه من وجهاء المخزن الشرقي، وله اختراقات استخباراتية وعسكرية هامة في زمانه ومكانه،وله فصل في مخطوطته يحمل عنوان: حرب قبائل المخزن على الأمير عبد القادر…
🔺-وإذا بحثنا في ويكيبيديا عن كل من كتب ومَحَّص في سيرة الوزير محمد بن إدريس،من السابقين والمعاصرين في تاريخ المغرب الحديث، نجدهم يكيلون له الثناء المطلق بالإجماع، وفي الوقت ذاته يحرصون كل الحرص على إخفاء طريقة مقتله، ويطمسونها، ويتجنَّبون ذكرها، بِحِرَفية بارعة، ويكتفون بالقول: إنه تعرض في آخر حياته إلى وشايات، وتم سجنه؟
إلى آخر التبريرات…
وأما الطامة الكبرى فهي أن كل تلك المآسي موجودة في مخطوطات المخزن الشرقي والغربي، كوضح الشمس في النهار، ويستمر المشتغلون في التاريخ الجزائري حتى الآن في التستر عليها، وكأنهم شركاء للمؤرخين المغاربة في هدف التعتيم ذاته …
مع كل الإجلال والتقدير لروح الدكتور الراحل يحيى بوعزيز، لتحقيقه مخطوطة المزاري، نقول:
🔺-الوزير محمد بن إدريس الإدريسي توفي ركلاً بالأرجل،حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، أمام السلطان عبد الرحمن …
🔺-لم نذكر في هذا المقال رواية أو عنوان إلا واستقيناها من مخطوطات المخرن الشرقي والغربي، لكيلا يقال: إننا نستند إلى مصادرنا وأهوائنا، ولنترك العبرة إلى خير ما قيل:
﴿وشهد شاهدٌ من أهلها﴾
﴿ومن عادى جدَّك لا يودَّك ﴾
﴿والعرقُ دساس﴾ تعكس حادثة بن إدريس في ميزان الحق والتقدير مدى وفاء النخب المغربية،المتمثلة في التجار والأعيان وساسة البلاط ومن ورائهم كثير من القبائل المغربية،لنيتهم في إسقاط السلطان عبد الرحمن، لعمالته للفرنسيين، وتوقيعه ميثاقًا مع الجنرال بيجو، القاصد في باطنه شنَّ حربِ شاملة على الأمير عبد القادر…
🔺-ومن رسائل الوزير محمد بن إدريس والأعيان المغربية السرية للأمير عبد القادر …
أيها الأمير،جِدَّ السير لتملك المغرب بأسره،لتسكن مدينة فاس، فإن بابها من كل ناحية لك مفتوح، وإن شئت فادخل من باب الكيسة،وإن شئت من باب الفتوح…
ثم يقول:
🔺-وأنِّي متَّفق مع الكبراء، من التجار والأعيان والعلماء وأهل الديوان، على تمليك المغرب لك على حساب ما تريد، وتكون أنت سُلْطانَه الطود العظيم، والليث الشديد، فإنّ وطأة العلاّويين وظلمهم قد عظمت، عجّل الله بمحقها على يد الأدارسة، فالمغرب لا يَسعد إلا على الأدارسة، وأنت واحد من الأدراسة…
🔺-ذكر نص الرسالة هذه المزاري المخزني في طلوع سعد السعود ص 245ج 2، وكذلك ذكر الناصري السلاوي المغربي، وهو كبير المنافقين والمتملقين ممن كانوا يُشرفون على تدليس ما جرى في تلك الأحداث،إذ أقرَّ حرفيّاً في الجزء التاسع من الاستقصا، ص56، لدى حديثه عن الأمير عبد القادر:
وأنه رام الاستبداد،بل والتملك على المغرب،فلما كانت الهزيمة في إيسلي ازداد طمعه، فصار يدعو أهل النواحي إلى مبايعته والدخول في طاعته، وكاتب الخواص من أهل فاس – وهنا يُقر – والدولة كاتبوه”…
فتاريخ المغرب يُقرُّ بأن رجالات الدولة راسلوا الأمير…
ثم يقول في الصفحة 59:وكان على الأمير إما أن يدخل لإيالتنا”،ويقصد هنا أن يدخل صاغراً ذليلاً…
ثم يقول بعد أن رفض الأمير الذل والهوان:فمات من خاصته ورؤسائه وأهل شدته وذوي بأسه، وعادت جموعه جمع تكسير، وجيوشه موزعة بين قتيل وأسير، وانقلبوا صاغرين …
🔺-طبعاً الناصري هنا عتَّم كليّاً على مقتل الوزير محمد بن إدريس، وتحاشى ذكر تفاصيل وفاته، واكتفى بالتعميم والتلميح عن ذلك، مرعوباً من إكمال الحقيقة، لكونه كان عاملاً في بلاط السلطان …
ولكنه شهد أن الأمير راسل خواصَّ الدولة، وهم راسلوه، والحقيقة أنهم هم من راسلوه…
وجاءت شهادة المزاري حرفيّاً في
ج -2- الصفحة 246: أنه بعد انكشاف المكاتيب بخط الوزير بن إدريس، أمام السلطان عبد الرحمن، أمر عبد الرحمن بن هشام كل من كان حاضراً بقتل الوزير دهساً بالنعال، وألا يَدَعوا باباً له للمفر، فاشتغلت الجنود بضربه بالنعال، في كل ناحية من جسده ورأسه، إلى أن مات رحمه الله …
🔺-والمزاري من خلفية مخزنية معادية للأمير أيضاً، فشهادته تلك غاية في الصحة والدقة، بينما مصادر الأمير الوطنية روت أن الوزير والسفير البوحميدي توفي تحت التعذيب، ولا بد أن البوحميدي اعترف بعد سلسلة من التعذيب، بسبب وشايات، بمراسلة أعيان مراكش والديوان للأمير، والتي سبَّبت استشهاد الوزيرين معاً في ذات الاسبوع من ديسمبر 1847م…
ودون أي شك فقد سجل ماضي الأمير عبد القادر عدم اهتمامه بالاستيلاء على سلطنة المغرب الأقصى، والدليل أنه كان بوسعه مهاجمة مدينة فاس، بعد معركة سلوان الدفاعية على أطراف فاس، والتي هزمَ فيها فرق محمد الرابع الثلاث، وتمكن من فسطاطه، وكاد يآسره، لولا أن فرّ، وفلت ابنُ عبد الرحمن، كما يفلت الطير من مخالب الصقرِ، وحينها كانت معنويات الأمير وجيشه مرتفعة في أوجها، بعد أن غنموا مدافع ثقيلة، وأَظْهَروا جَسَارَةً لاَ مَثِيلَ لَهَا فِي سَاحَةِ الْمَعْرَكَةِ، مما أدى إلى إحباط داخل قصر مراكش، على آثر غليان ضمير الشعب المغربي،الذي كان على أصالته ضد الأفعال المشينة للسُلطان الغادر في محاربته الجيش المُحمدي الجزائري…
🔺-وردت هذه التفاصيل حرفيًّا في مخطوطة طلوع سعد السعود، في الصفحة 248 من الجزء الثاني وكذلك ذكرها الكولونيل تشرشل البريطاني في مصدره وكلاهما معاصرٌ للأحداث …
وعلاوة على ذلك يسجل لنا التاريخ عدم محاولة الأمير الاعتداء على أحد،فليس من طبيعته الشغف وراء السلطة والسلطان،ولم تكن يوماً هدفًا من أهدافه،ومع أن رسائل بطانة السلطان عبد الرحمن للأمير كانت واضحةً في منحه الضوء الأخضر لمباغتة عبد الرحمن بن هشام في قصره، وإعطائه أسماء أبوابها المستعدة لاستقبال قواته، ولم يكن التاريخ ليُخفي أية محاولة من الأمير لو حصلت…
🔺-هذا ما جاء في تاريخ مخطوطات المخزنيين الجزائري والمغربي الشرقي والغربي، والحكم الفصل فيها مرده إلى رواية أجدادنا، وما ورد في مخطوطات المخرن يُثبت وحدة الموضوع والمعنى والتفسير لرواية الأجداد …
وجدير بالذكر في هذا الصدد ظهور مخطوطة غاية في الأهمية، تشير إلى أن مؤلفها أحد كتاب الوزير محمد بن إدريس العمراوي، في عهد عبد الرحمن بن هشام، حققها الدكتور عبد الهادي التازي،تحمل عنوان: الابتسَامُ عنْ دَوْلة ابن هِشام …
في هذه المخطوطة يُظهر المؤلِّف كثيرًا من الحقائق التي خفيت على مَن اشتغلوا بتاريخ المغرب،وكتبوا عنه،ولم يغفل المؤلف الحديث عن العداوة التي نشأت بين أهل الجزائر من جهة، وبين الفرنسيس والسلطان عبد الرحمن من جهة ثانية،وسلط الضوء أيضًا على أحداث الحجاز، وحرب محمد علي على الوهابيين، وغير ذلك من الأحداث المهمة،كما تحدث عن علاقة المغرب بالسلطان سليم الأول العثماني، وتهافتهم عليه، وسجَّل محضر اجتماع بين عبد الرحمن بن هشام والوزير البوحميدي،ورد فيه حرفيًّا:يصرخ السلطان عبد الرحمن:
ماذا تريدون؟
يجيب البوحميدي:
نريد خاطرك ورضاك والعفو عما سلف من الذنب …
ونود الإشارة إلى أن هذه النقطة وردت في “تحفة الزائر” حيث إن الأمير بعد معركتين دفاعيتين حاول تطيب الخواطر ، وكل من يعلم بسلوك ومهام الرسل بين الدول والأمراء يتدبر أن مهام الرسل التهدئة، ولا سيما هذا اللقاء كان بعد معركتين دفاعيتين صد فيهما الأمير عبد القادر جيوش مراكش، ولقَّن فيها قصر مراكش درساً في الحروب، إذ قَتَل الأميرُ أقوى قائد حربي أرسله السلطان لاجتثاث الجيش المحمدي الجزائري، يُلقَّب بالأحمر، والأكحل كما ورد في الاستقصاء، ثم في المعركة الثانية كاد الأمير أن يقبض على محمد الرابع،نجل عبد الرحمن، لولا أنه تمكن من الإفلات والفرار…
🔺-ثم يقول السلطان عبد الرحمن للبوحميدي في الاجتماع:
اسمع، أقول لك، إن أصدق الحديث إلى الله أصدقه، وإني لا أقبل منكم إلا خصلتين: إما الدخول لداخل الإيالة لتنزلوا عندنا في عز وإكرام، وإما أن تخرجوا من الإيالة وتتوجهوا حيث شئتم، ولا أقبل منكم غيرهما…
البوحميدي: أمهِلْنا حتى نراجع ابن محيي الدين فيما طلبتَه…
عبد الرحمن: أنت في أمان ومهلة انتهى…
ولم يأت في الجواب ما يدل على فساد النية، وهذه الحادثة فصَّل فيها المؤلِّف، وهو شاهد عيان، في الورقة 230…
ولكن مسألة زعم السلطان في عرضه: “ادخلو في عز وأمان” فهذا كان بعد معركتين كبيرتين خسر فيهما جيش مراكش أهدافه الغادرة…
يُضاف إلى ذلك أن الأمير عبد القادر كان يُدرك جيِّداً أنها مكيدة، والغرض منها إعطاء الأمير الأمان، لتسليم سلاحه،ثم سيطبق عبد الرحمن ميثاق إيسلي في تسليم الأمير عبد القادر للفرنسيين…
🔺-(تجدالمصادر في رابط المواقع)
وقد وردتنا معلومات موثوقة من باحثين اطلعوا على المخطوط المذكور أعلاه، بأنه إبان دخوله الخزانة الملكية بالرباط، حيث أصبح من أملاكها، تم استئصال بعض من صفحاته،وأغلب الظن أن فيها ما يفضح تاريخ عبد الرحمن بن هشام
ونترك البحث والكشف عن هذا للباحثين الجادين، ليتحققوا بأنفسهم …
🔺المصدر: طلوع سعد السعود للمزاري المخزني
حرب المخزن على الأمير وحرب الأمير على المخزن…
🔺المصدر :مذكرات الكولونيل البريطاني شارل هنري تشرشل…
🔺المصدر : الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى للناصري السلاوي …
المصدر : مخطوط الابتسام عن دولة ابن هشام تحقيق الدكتور عبد الهادي التازي…