تُحفة الزائر في أخبار الجزائر: المطبوع عام 1903م
تُحفة الزائر: مخطوطة إسطنبول عام 1890م
ذِكر البربر وشعائرهم في مخطوط عام 1890م،وكذلك في المطبوع
اعلم أن النسّابين اختلفوا في نسب البربر، وطال فيه بحثُهم، والذي عليه المُعوَّل من ذلككله ما ذهب إليه المُحقِّقون، كابن حزم وابن خلدون وغيرهما، وهو أنهم من بني كنعان بنحام بن نوح عليه السلام،واتَّفقوا على أن شعوبهم وبطونهم يَجمعهم أصلانعظيمان،وهما بُرْنُس ومادُغيس، ويُلقَّب بالأبتر،فيقال لشعوبِه:البتر، كما يقال لشعوببرنس: البرانس، وهما على الأصح أخَوان لأب،وهو: بربر بن تملا بن مازيغ بن كنعان بنحام،وشعوب البرانس يجمعهم سبعةُ أصول،وهي: ازداجة، ومَصمُودة، وأورُبة وعَجِيسة،وكُتامة،وصَنْهاجة،ورِيغة…
وأما شعوب البتر فيَجمعهم أربعة أصول،وهم: أدّاسة،ونَفُّوسة، وضَريسة،ولواءالأكبر،والكلام على هذه الشعوب،وما تناسل منها من الأمم،طويل الذيل،مديد السيل، أفردهعلماء هذا الفن بالتآليف، وجميع ما ذكروه هو غاية ما وصل إليه علمهم،وانتهى إليهاطِّلاعُهم، وإلا فإحصاء أمم البربر وأجيالهم غير ممكن،لتطاول الأحقاب،وتداولالأزمنة،ولم تزل بلاد المغرب من أقصى سوس إلى الإسكندرية،وما بين بحر الروموالسودان، عامرةً بهم منذ قرون لا يُعرف أوّلُها ولا ما قبلها…
واعلم أن دين البربر في القديم هو دين المجوسية،وفي بعض الأحايين يدينون بدين مَن تغلَّب عليهم،كالرومان وغيرهم، وقد صبَّحهم الإسلام،وهم على دين النصرانية،وبعضهم في إفريقيا على دين اليهودية،عند استفحال مُلك بني إسرائيل وقُربهم منهم…
﴿سماتهم﴾
وأما شعائرهم وسماتهم،لأول حصول العِلم بهم،وتقييد تواريخهم،وذِكر أحوالهم وسيرهم،فقد كان الأكثر منهم آخذين بشعائر العرب،يسكنون الخيام،ويتنزَّلون حللاً ودوائرمتفرقة،ويَظعنون لانتجاع المراعي،ويتَّخذون الخيل للركوب والنتاج،ويعتنون بالأنعام للكسب،يقومون عليها،ويقتاتون من ألبانها،ويتَّخذون ألبستهم وأثاثهم وخيامهم منأصوافها وأوبارها وأشعارها،ومنهم من يبتغي الرزق من الاقتناص والنهب والاختطاف منالسابلة،ومنهم أهل مدائن وقرى وأمصار،شأنهم الفلاحة واغتراس الجنات المتنوعةوالتجارة والحرف النافعة، إلى غير ذلك من الأمور، التي يتوقف عليها العمران، ولا يتم إلابها…
وأكثر لباسهم من الصوف بأنواعه، وفي الغالب يكشفون رؤوسهم ويحلقونها،ولغتهم منالرطانة الأعجمية متميزة بنوعها من سائر رطانة العجم،واختصَّت شعوب زناتة وبطونهابرطانة تُخالف رطانة إخوانهم،كما أنهم اختصوا بالعمامة،فإنهم كانوا يَعتمُّون،ومن شاهدآثارهم وما شيَّدوه من الحصون والمعاقل والأمصار،وطالع أخبارهم وحروبهم وسيرهم،علمأنهم لا يُرامون بذُلٍّ،ولا ينالهم من استطال عليهم بسوء…
فهم الذين قهروا أمم العالم من: العرب،والإفرنج،والفرس،واليونان،
والرومان،أجيالاً عديدة، وهم الذين اعتنى الفحول من العلماء والمؤرخين بذكر سيرهم وتدوين أخبارهم،فملؤوا كتبهم بنقل ما كانوا عليه من الأخلاق الحميدة والمزاياالعديدة،وما اشتهروا به من عزِّ الجوار،وحماية النزيل،ورعاية الذمة،والوفاء بالعهد،وصدق القول،والصبر على المكاره، والثبات في الشدائد،وجودة المَلكة، والإغضاء عنالعيوب،والتجافي عن الانتقام،ورحمة المساكين،وتوقير أهل العلم،وحمل الكَلِّ،وكسبالمعدوم،وقِرى الضيف،والإعانة على النوائب،وعلو الهمم،وإباء الضَّيم، والشقاق معالدول،ومقارعة الخطوب،والتغلُّب على الملك،فهذه الخلال وأمثالها هي التي أكسبتهم الثناء من الخلق،وبُعدَ الصِّيت…
وقد كان من مشاهيرهم،بعد تمسُّكهم بالإسلام،من الطبقة الأولى بُلُكِين ﴿بالياء الموحدةالتحتية﴾ بن زِيري الصنهاجي،عامل إفريقيا للعُبيديين،ومحمد بن خزر،وعروبة بن يوسفالكتامي،القائم بدعوة أبي عبد الله الشيعي،ويوسف بن تاشفين اللمتوني،وعبد المؤمن بنعلي أمير الموحدين…
﴿☪︎﴾ومن الطبقة الثانية يعقوب بن عبد الحق المريني،ويغمراسن سلطان بني زيان،ومحمدبن عبد القوي صاحب تاهرت،ووزمار أمير بني توجين،وثابت بن منديل أمير مغراوة،وزمادبن إبراهيم،زعيم بني راشد،فهؤلاء كانوا من أرسخهم في تلك الخلال الحميدة قدماً،وأطولهم فيها يداً،وأكثرهم لها جمعاً،وسنذكر طرفاً من أخبارهم على وجه الإيجاز،إن شاءالله تعالى انتهى …