ليلة الانكسار الكبير للأمير عبد القادر…
نكسة الواحد والعشرين من ديسمبر 1847م ليلة حصار الأمير الأخيرة،وقراره في هذه الليلة قبول الاستئمان للعدو الفرنسي …

ذكرى نكسة الحادي والعشرين من ديسمبر 1847م…
-ليلة الحصار الأخيرة للأمير عبد القادر…
1- اللحظة الفاصلة…
في ليلة الحادي والعشرين من ديسمبر 1847، عاش الأمير عبد القادر حصاره الأخير، واتخذ قراره الأصعب: قبول الاستئمان للعدو الفرنسي.
لقد كان الأمير الذي كسرت ظهره آهات النساء وصيحات الأطفال، ومارست الجيوش الفرنسية بحقه وبحق أصحابه كل صنوف البطش والقتل بأحدث الأسلحة. ومع ذلك ظلّ أعجوبةً استعصى على أعدائه قتله. بل إنه ابتسم وهو مغلوب، فانتزع من المنتصر لذّة الانتصار، ليفوز هو في صفحات التاريخ إلى الأبد.
2- قرار الحكمة…
اختار الأمير وقف القتال، بعدما أيقن أن موته سيكون خذلانًا للمؤمنين والمؤمنات الذين وقعوا في شباك العدو. لم يكن يخشى الموت، فقد واجهه عشرات المرات، لكنه كان يرى أن الرجولة ليست في الارتماء في أحضان الموت إذا كان في ذلك إهلاك للمستضعفين.
في تلك الليلة، انتصرت الحكمة على الموت، وكانت الحكمة عنده أرفع من طلب الشهادة، لأنها تعني حماية النساء والأطفال والشيوخ من الذل والسبي والتنكيل.
3- المعارك الدامية على نهر ملوية…
اضطر الأمير إلى التراجع من منطقة سلوان نحو الحدود الجزائرية، حيث تمركزت دائرته قرب وادي ملوية ووادي قيس. هناك اندلعت معارك عبور النهر، فتلوّن ماؤه بالدماء، وجرفت السيول الفرسان، فاستشهد وأُسر كثير من المحاربين.
لم يبق من الجيش سوى مئتي رجل قادرين على القتال، في مواجهة خمسين ألفًا من جيوش السلطان المغربي عبد الرحمن بن هشام، إضافة إلى عشرات الآلاف من الفرنسيين المتربصين من الخلف.
4- خيانة المراكش وغدر السلطان
توالت خيانات السلطان المراكشي وجيشه، حتى أضحى الأمير بين نارين: عدو فرنسي يتربص به، وحليف غادر يطعنه في ظهره. وقد شهد المؤرخ المغربي الناصري بما جرى، حيث أقرّ بسبي النساء والأطفال على أيدي جيش السلطان، بل وبقتلهم ذويهم بأيديهم خشية السبي والعار.
ومع ذلك، وقف كثير من أهل الريف المغربي والقبائل والأعيان إلى جانب الأمير، وأبوا على سلطانهم حربه. ولولا دعمهم لما بقي عامين في المغرب يقاتل رغم أنف المخزن.
5- بين الفرنسي والمراكشي: خيارٌ لا مفرّ منه
أمام الأمير خياران أحلاهما مرّ:
• إما أن يسلم نفسه لجيش مراكش، وهذا في نظره أشنع من الهزيمة.
• وإما أن يتوجّه نحو الفرنسيين بشروط تحفظ حرائر الدائرة وأطفالها من العار والسبي.
فاختار الثاني، وأرسل رسله في تلك الليلة الماطرة، فكان الجواب برقعة فارغة من الجنرال لامورسيير، علامة قبول الاستئمان. عندها أمر الفرنسيون أولاد السلطان بوقف القتال وانتظار الصلح.
6- كلمة الوداع
كان آخر ما قاله الأمير عبد القادر:
«أثق فيمن حاربني على من خانني».
وبذلك أسدل الستار على ليلة كانت أعظم اختبار في مسيرة الجهاد، حيث غلبت الحكمة رحمةً بالضعفاء على الموت البطولي الفردي، فكان النصر للتاريخ والإنسانية، لا للفرنسيين ولا للمراكش…
المصادر : نُخبة ما تُسَرُّ به النّواظر، وأبهج ما يُسَطَّر في الدفاتر ، وهي ترجمة مكثَّفة مختصرة عن سيرة الأمير المجاهد عبد القادر بن محيي الدين الجزائريّ، مودعة في موسوعة “تعطير المشامّ في محاسن دمشق الشّام” للشيخ جمال الدين القاسميّ،
🔺-المصدر : مذكرات الكولونيل تشرشل…
🔺- مخطوطة تحفة الزائر،النسخة الأصلية، مخطوطة 1890م…
🔺- المصدر الاستقصا في أخبار المغرب
للمُدَلِّس الكبير أحمد بن خالد الناصري مصدر مخزني معاصر للأحداث،تحقيق جعفر الناصري…