
في سنة 1847م بلغت محنة أسرة الإمام محيي الدين ذروتها، بعدما خذل سلطانُ المغرب عبد الرحمن بن هشام اللاجئين الجزائريين، فتركهم تحت رحمة ملاحقة العدوّ، وفتح الباب للغدر والمؤامرة.
وفي محيط فاس اندلعت معارك ضارية، مع جيش مراكش انتهت بأسر أبي بكر بن محيي الدين الأخ الخامس للأمير عبد القادر أعزبَ نقيَّ السيرة، قبل أن يُستشهد في ظروف مهينة وقاسية.
كان أبناءُ الإمام محيي الدين، بعد معاهدة طنجة، يعيشون تحت تعتيمٍ متعمَّد خشية أن يلحقهم أذى السلطة المغربية، التي اعتبرتهم أهدافًا يجب التخلص منها. وفي تلك المرحلة سجّل الشيخ جمال الدين القاسمي في «تعطير المشام» شهادةً بالغة الأهمية نقلها عن الإمام أحمد بن محيي الدين (الأخ السادس للأمير)، يصف فيها تفاصيل القبض على أبي بكر: كان جريحًا في رأسه، عاريًا مع ابن أخيه محمد الصادق بعد أن نهبت الغوغاء ثيابهما، ثم قُدِّما على هذه الهيئة لأولاد السلطان، الذين أمروا بتقييدهما دون سترٍ لعورتهما، وقضيا الليل حفاةً عاريين في بردٍ قارس. وبعد ذلك فُصل رأس أبي بكر وأُرسل إلى فاس مع رؤوس شهداء الأمير.
وتتزامن شهادة القاسمي مع ما دوّنه المؤرخ المغربي أحمد الناصري في «الاستقصا»، الذي ذكر وقائع تلك الحملة وما صاحبها من تعامل قاسٍ مع أنصار الأمير عبد القادر.
وهكذا تحوّلت مأساة الشهيد أبي بكر بن محيي الدين إلى إحدى الصفحات المظلمة في تاريخ العلاقة بين سلطات المغرب آنذاك واللاجئين الجزائريين، وإلى شاهدٍ على صمود أسرة الإمام محيي الدين في وجه الغدر، رغم ما تعرّضت له من تنكيل وتصفية وإخفاء.



