
الأمير المستضعف هو الرجل التاريخي الذي غرق في وحل الخيانة من جهة، والغدر من جهة ثانية، وانتهى مصيره في اجتماع دولتين عليه، في زمن لم يكن فيه لا إعلام دولي، ولا منظمات ترعى حقوق الإنسان، ولا أمم متحدة تُقرّر المصير، ولا دول عربية تدعمه من وراء البحار والحدود. فجرَّع الأمير طعنات قاسية في الظهر، وقابل ذلك بصمت عجيب، صبرًا وإرضاءً لله.
-خرج الأمير من مستنقع خيانة سلطان مراكش، ليقع في فخ غدر ملك فرنسا، الذي أثبتت الأحداث أنه لا عهد له ولا ميثاق. فقد نقض ملك فرنسا، فيليب لويس، ميثاقًا قطعه نجله وولي عهده الدوق دومال للأمير، والذي أوقف بموجبه الأمير الحرب، وقَبِل وضع السلاح، واستئمان العدو، على شرط هجرته فورًا إلى بلاد الشام بحراً.
【أحداث الحِلية والغدر】
🔺 صعد الأمير إلى الفرقاطة، جريحًا في قدمه من معركة ملوية الأخيرة، ولم يخطر بباله، وهو يُلملم ذكرياته الممتزجة بألم الفراق، أن الملوك قد يغدرون وينتسلون من العهود والمواثيق، وذلك لما عهده من حوادث التاريخ، وما تعارفت عليه ملوك النصارى والمسلمين وغيرهم منذ الأمد، بأعراف شهيرة في السياسة والمُلك والحرب، بأنه: “ما غدر ملك بعهد، أو قتل نِدّه بعد أن أعطاه الأمان، إلا ولعنة ربانية تُصيب عرشه.
وحدث ذلك للملك فيليب حقًا، بعد شهرين من نقضه الميثاق، فطار فارًّا بزورق بخس إلى بريطانيا، هاربًا من ثورة نابليون، بعد فترة حكم دامت سبعة عشر عامًا، كلها مواجهات كرٍّ وفرٍّ، وصلحٍ ونقضٍ مع الأمير عبد القادر.
ظنّ الأمير وخاصته، في عرض البحر، أن الفرقاطة تتّجه إلى المشرق حسب الاتفاق، وإذا بها تحط في 31 ديسمبر في مرسى طولون الفرنسي بحجّة التزوّد بالفحم اللازم لمتابعة الرحلة.
طال انتظار إمداد الفرقاطة، وإذا بقوات حاكم طولون تقتحم الفرقاطة، وتقيد الأمير ورجاله، وتنزلهم على الأرض الفرنسية قهرًا وعنوة، في إهانة شديدة، وتقتادهم بالوثاق إلى برج لاملاك العسكري.
تكدَّر صفو الأمير، وتيقن من وقوع الغدر، ثم وصل حاكم طولون إلى مقر الاحتجاز، معتذرًا عن رعونة جنده، وأبلغه مراوغًا أن احتجازه الآن قيد المخابرة مع الدولة العثمانية لأخذ الموافقة بالإبحار إلى أراضيها.
ثم وصل مُوفَد الملك فيليب، الكولونيل توماس، المتحدث بالعربية، ليُبلغ الأمير بوجوب الإقامة في فرنسا جبراً. فأجاب الأمير، ونظر محدّقًا بعين النسر، كما وصفه تشرشل في مصدره، غاضبًا:
-هذه المراوغة يا توماس من مواهبك الدبلوماسية، لا تستعملها معي الآن. الخزي والعار سيلتصقان بكم. ومن عجيب ما يُسمع أنني كنت أرى نفسي ضيفكم، فجعلتموني أسيركم. وعلى كل حال، فالعار والعيب عليكم لا عليّ، يا ناكسي الميثاق. ولو لم ألقِ بنفسي إليكم ما وصلتم إلى إهانتي والتحكم بأمري…
-المصدر :تُحفّةُ الزّائر للفريق محمد باشا الحسني الجزائري شاهد عيان …
🔺-المصدر: نُخبة ما تُسَرُّ به النّواظر وأبهج ما يُسَطَّر في الدفاتر للإمام أحمد بن محيي الدين …
🔺المصدر: طُلوُع سّعد السُعُود للمزاري،جزائري مخزني معاصر للأحداث …
🔺-المصدر :مذكرات الكولونيل تشرشل …