جزيرة الشيطان الفرنسية…
جزيرة الشيطان الفرنسية، تلك المنفى الرهيب الذي نفى إليه نابليون الثالث معارضي ثورته من رجال الحرس القديم، حتى قيل في روايات بعض المؤرخين إنهم أُلقوا هناك طعامًا لأسماك القرش
-ازدواجية المعايير في التأريخ الفرنسي وعلاقة الأمير عبد القادر بنابليون الثالث…
🔺 من الملاحظ أنّ ازدواجية المعايير سلوك متجذّر في التأريخ الفرنسي. فحين يتناولون سيرة الأمير عبد القادر بعد إطلاق سراحه من الأسر، يشيعون أنّه كان “صديقًا لفرنسا”، بينما يتجاهلون الحقائق المرتبطة بشخصية نابليون الثالث نفسه، الذي غيّر النظام الفرنسي بأسره من خلال ثورته عام 1851م، والتي يصفونها هم أنفسهم بالانقلاب.
فإذا كانت ثورة نابليون انقلابًا لا تمثل الفرنسيين – بحسب زعمهم – فلماذا يربطون إذن صداقة الأمير بفرنسا كلها، ولا يقصرونها على السلطة الانقلابية كما يقتضي منطقهم؟
🔺 والحقيقة أنّ الأمير ما كان ليُسرَّح من معتقله لولا تقاطع عاملين اثنين: ثورة نابليون الثالث سنة 1851م، وما صاحبها من تبدّل سياسي، ثم موقف السلطان العثماني عبد المجيد الأول. ولولا ذلك، لبقي الأمير في منفاه حتى وفاته، ودفن في حديقة إمبواز مثل رفاقه الذين استشهدوا هناك بالمرض والإهمال، خاصة وأن الغدر واللؤم الفرنسي تجلّى بوضوح في سنوات اعتقاله الأولى.
🔺 وقد أشار الفريق محمد باشا في تحفة الزائر إلى أنّ ثورة نابليون لم تكن مجرد انقلاب داخلي، بل كانت بمثابة “جدع أنوف الأحزاب وأهل العصبيات” وتأديب ساسة فرنسا الذين اعتادوا الغدر والتنكر للعهود، بما في ذلك تنكيلهم بالجيش المحمدي الذي قاوم الاحتلال الفرنسي.
🔺 أمّا ثورة الأمير فقد انتهت بصلح عسكري مع الفرنسيين، على أساس وقف القتال مقابل السماح له بالهجرة. لكن الفرنسيين نكثوا عهدهم، فاختطفوا سفينته وهو جريح، ونقلوه أسيرًا إلى فرنسا حيث مكث سنوات طويلة في سجونها.
🔺 ثم شاء الله أن ينتصر نابليون الثالث في ثورته، لينطبق على حال الأمير المثل القائل: مصائب قوم عند قوم فوائد. فما إن استلم الحكم حتى بشّر الأمير عبر مترجمه بواسيني بالحرية، وطلب منه الصبر إلى حين تمكنه من إخراجه من أسر فرنسا. وبالفعل، أوفى نابليون بوعده، وغسل شيئًا من عار الغدر الفرنسي بإطلاق سراح الأمير.
ومن هنا نفهم أنّ العلاقة التي جمعت الأمير بنابليون الثالث كانت صداقة شخصية متبادلة، لا صداقة بين الأمير وفرنسا كما يحاول البعض تصويرها. فالأمير ظلّ ينظر إلى فرنسا كقوة غاصبة معتدية، بينما وجد في موقف نابليون الشخصي مساحة للتقدير الإنساني، بعيدًا عن أي مبايعة أو ولاء للمستعمر.
المصدر: تحفة الزائر …






🔺-المصدر: مذكرات الكولونيل والقنصل تشرشل…




