🔺-الإمام محمد بن إدريس الجدُ الثالث والعشرون للأمير عبد القادر
وهو الحاكم الثالث للدولة الإدريسية…
🔺يروي تحفة الزائر عن أجداده، وعن البكري والنوفلي في تاريخهم، أن دولة الأدارسة امتدَّ نفوذها من تلمسان حاضرة المغرب الأوسط حتى شلف، إلى المغرب الأقصى حتى المحيط، وذلك في القرنين الثاني والثالث الهجريين، بعد سقوط دعوة العباسيين في أراضي المغربين …
🔺-ولما حضرت الوفاةُ الإمامَ إدريس الثاني، الذي أعقب اثني عشر ولداً، عهد لولده الأكبر محمد، وبويع بعد أبيه إدريس الثاني، وقام بالمُلك والخلافة أحسن قيام، ومشى على سنن والده في النقض والإبرام، وتسديد الأحكام، ومما قيل فيه من الشعر:
أَتَّى تُجارِيه فرسانُ العلومِ ومِن غُبارِه في هَوادِيهنَّ ما تقَضُوا
وتواردت الأخبار بإعجاب الشعراء حتى بجماله، وكان أسمر اللون، أجعد الشعر، وأمه من أَكْارم قبيلة نفزة، وقريبة جدته كنزة…
🔺-التنظيم الإداري للدولة في عهده…
تسلم الإمام محمد بن إدريس دولة ذات إدارة مركزية موحدة، فبدأ عهده بتجزئتها إداريًا، فقد أشارت عليه جدته كنزة بتولية الأقاليم على إخوته، واستقر الإمام محمد في العاصمة فاس، يراقب أعمال إخوته وتصرفاتهم، فقاموا بالمهمات على أحسن وجه، وضبطوا الأعمال، وحفظوا الثغور، وأمَّنوا الطرق، فحسنت سيرتهم في المرحلة الأولى من ولايتهم، وكثر العمران…
ولكن حالة الاستقرار التي نَعِمَ بها المغرب الأوسط والأقصى، طيلة عهد الإمام إدريس الثاني وبداية عهد خليفته محمد، لم تلبث أن انقلبت إلى صراعات في بعض الأحيان واضطرابات، وتوفي الإمام محمد، ودُفن في مسجد الأدارسة في فاس إلى جانب أبيه الإمام إدريس الثاني، وأخيه عمر، وكانت مدة حكمه ثمانية أعوام، وخلفه نجله الأكبر علي، الشهير بحيدرة، بعهدٍ منه…
واستمرت دولة الأدارسة في مرحلة الصعود والاستقرار ثم الانحدار، قرابة قرنين، وتفرعت لها إمارات في مالقة وقرطبة وغرناطة وفرمونة في إسبانيا الحالية، وتم سقوطها رسميّاً على يد الفاطميين…
🔺- إضاءات لا بد من التطرق إليها عن تأسيس دولة الأدارسة…
سعى وجهاء من البربر في جلب الإمام إدريس الأول من المشرق إلى المغرب، ثم بجهود الفارس المغوار راشد بن محمد بن عبد الحميد، أحد وجهاء قبيلة أوربة، وبدعم من أميرها إسحاق بن محمد بن عبد الحميد، الذي كانت له سطوة على سائر قبائل البرنس، الكثيرة العدد والمشهورة بشدة البأس والقوة قبل الفتح الإسلامي وبعده، عُقدت له البيعة العامة، فنهض بمسؤوليات الدولة الناشئة، كما كان له الأثر الكبير في نشر المذهب المالكي في شمال إفريقيا…
كان المغربان الأوسط والأقصى يعيشان في القرن الثاني الهجري، إثر الحروب الأموية العباسية،مرحلة صراع واستبداد من ولاة الطرفين، وهذا أحدث نوعًا من العزلة العلمية، وساهم في الردة، وعودة بعض الناس إلى المجوسية، وكَثُر انتشار الخوارج والمعتزلة، كما كثر الهرج والمرج، وفي عام 140 هـ ظهر صراع جديد في عهد الخلافة العباسية بين الهاشميين، بفرعيهم العباسي والطالبيين الحسنيين، وأعلن الإمام محمد النفس الزكية أخو إدريس الأول الثورة على ولاة العباسيين في الحجاز، بسبب ظلمهم واعتقالهم الناس بالشبهة…
وجاء في كثير من الروايات أن الإمام مالك بن أنس كان مؤيدًا غيرَ مباشر لثورة محمد النفس الزكية، وله قول شهير للثوار (إنما بايعتُم مُكرَهين، وليس على مُكرَهٍ يمين).
ولكن الخليفة العباسي وواليه أدركا تأييد مالك لثورة الإمام محمد النفس الزكية، فقيل في روايات إنه جُلد على أثرها، ثم جرت معارك بين الحسنيين والعباسيين في مكة والمدينة، يشيب لها الرضيع، أعقبتها ثورات أخرى، منها ثورة الحسين بن علي بن الحسن المثلث عام 169هـ، في زمن الخليفة الهادي، وانغمس إدريس الأول في المعركة إلى جانب ثورة ابن أخيه…
وبين ثنايا الأحداث هذه كان راشد، موفد أمير أوربة الى الحجاز، يراقب أحوال السياسية، وإلى أين ستؤول هذه المعارك، فمكث يراقب لمن ستكون الغلبة؟
وكان وجهاء المغارب غير راضين عن أداء ولاة العباسيين، ووجدوا في مطالب ثورة الحسنيين الحق والعدل، ولكن كانت الغلبة فيها للعباسيين، وكان راشدٌ مؤمنًا بالحق، شجاعاً، ومن أهل النجدة، ولا يكترث بالعواقب حين يُقدم على المخاطر، فأضمر في نيته تهريب إدريس الأول إلى ديار المغرب، بعد نجاته حيّاً من معركة تسمى فخ، وقعت على أطراف مكة…
وكان جنود العباسيين يتربصون بالناجين من هذه المعركة، ويُشدِّدون الحراسة والتفتيش على الطرقات، فعمد راشد إلى أسلوب التمويه، فألبس إدريس ثيابًا قديمة ممزقة، وتظاهر بأنه خادمه، يأمره وينهاه طوال الطريق، وإدريس على هذه الحال حتى نجا به من الحجاز الشريف إلى بلاد النوبة في مصر، ثم وصلا إلى القيروان، فالجزائر، ونزلا تلمسان، ثم انتقلا إلى وليلي في زرهون في جاه وحماية إسحاق، أمير أوربة، فأحبه وزوَّجَه ابنته كنزة، التي كانت على حسن وجمال وكمال…
ثم اجتمع بأهل الحل والعقد من القبائل ذات الشوكة، لخلع طاعة العباسيين، وعقد لإدريس البيعة على تأسيس الدولة والخلافة الجديدة، وأرغموا والي العباسيين في تلمسان محمد المغراوي ، على مبايعة الإمام إدريس على السمع والطاعة…
أقام الإمام إدريس الأول أول سنتين من حكمه في تلمسان، وبنى فيها أول مسجد سمي أقادير أو أغادير، وأتقنه، وَأمر بِعَمَل مِنْبَر، نَصبه فِيهِ، وَكتب عَلَيْهِ: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم، هَذَا مَا أَمر بِهِ الإِمَام إِدْرِيس بن عبد الله …
🔺-راشد يستكمل وفاءه لذرية أهل البيت…
غضب الخليفة هارون العباسي لخلع طاعة العباسيين من الديار المغربية، فأرسل قاتلًا مأجورًا من العراق، يُدعى الشماخ، على أنه طبيب، فتودَّد إلى إدريس، ونال ثقته، ثم دس له السم في قارورة، وهو يتفحص أسنانه، وفرّ، فطارده راشد، واستطاع اللحاق به، وطَعنَه بثلاث ضربات كسر فيها ناصية وجهه عند نهر ملوية، إلا أنه فرَّ بأعجوبةٍ مُصابًا…
توفي الإمام إدريس الأول في شهر ولادة الأميرة كنزة طفلَها، فكان نسخة عن أبيه، فسمَّوه إدريس الثاني…
🔺- مرحلة راشد ينوب بشؤون الدولة ريثما يشتد عود إدريس الثاني …
كبرَ إدريس الثاني، وتولَّى مهام الدولة، وكان خير سلف لخير خلف، أتقن حفْظ القرآن صغيرًا، وأخضع الخارجين، وهزم بعض المنتسبين إلى مذهب الخوارج، والمتغلبين على بعض مناطق المغرب الأوسط، والأقصى وأظهر في تلك المعارك جرأة وبسالة منقطعتيْ النظير، فبرز فارسًا محاربًا، وقيل في تاريخ البكري إنه كان يأمر محاربيه بالهجوم على جيوش ثلالة أضعاف عددهم، ومن أشعاره التي تمثَّلها أثناء القتال:
﴿ أَلَيْسَ أَبونَا هَاشم شدَّ أزره
وَأوصى بنيه بالطعان وبالضربِ
فلسنا نملُّ الْحَرْب حَتَّى تمَلَّنا
وَلَا نشتكي مِمَّا يؤول من النصبِ ﴾
ذكر أبو عبيدة البكري في تاريخه أنه كان للأدارسة عقب وأبناء كثر، تميزوا بكثرة الخصوبة…
🔺-تجد بعض المصادر في رابط موقع أقحاح الجزائر في محفظة التعليقات
مصادر الاقتباس:
📌-المسالك والممالك: لأب عبيد الله البكري، المؤرخ والعالم الجغرافي، الذي خلدت وكالة ناسا الأمريكية اسمه على خرائط القمر، وهو من قبيلة بكر بن وائل …
📌-الأصفهاني: في كتاب مقاتل الطالبيين…
ابن خلدون: كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر…
📌مخطوطة تحفة الزائر الأولى نسخة إسطنبول عام 1890م: للفريق الأمير مُحمد باشا الجزائري…
🔺المسالك والممالك : لأبو عبيد الله البكري
🔺مخطوطة تحفة الزائر الأولى نسخة اسطنبول عام 1890م : للفريق الأمير مُحمد باشا الجزائري …
🔺بعض من الأبنية العمرانية في المغرب الأقصى إبان عهد الأدارسة…
🔺مئذنة مسجد أغادير تلمسان الجزائر…
🔺كتاب الأدارسة :
للدكتور سعدون عباس نصرالله …