🔺- المصدر :تحفة الزائر الجزء الثاني…
🔺-رسالة الماجستير للباحثة الموقرة الزهرةبقبق…
🔺- رابط مقال التنكيل بشخصية نابليون الثالث، فلم يسلم حتى من إنكار نسبه إلى عائلة نابليون بونابرت،وقولهم عنه أنه “انقلابي طاغية” موجود في خانة المصادر اسفل الصفحة…
🔺- بأيِّ منطق يُردِّد الخطابُ الرسميُّ الفرنسيُّ تكريمَ رجال الأمس بمقاييس العصر، فضلاً عن أن التكريم لا يكون على هذا الشكل الساذج، فكيف إذا كان يحمل في طيّاته الخداع والتلبيس على الناس بأن الأمير صديق لفرنسا❓
هل هذا تكريم فعلاً،أم هو عبث بالتاريخ، ولعبٌ بالمُسلَّمات البديهية،وتزوير للحقائق الثابتة، على حسب الأهواء السياسية،بغية تمريرها على الغافلين،أم أن الرئيس ماكرون يتوهَّم نفسه أنه الإمبراطور نابليون الثالث…❓
﴿☪︎﴾ الحقيقة التي لا يعرفها الكثير، ويشهد لها الماضي والتاريخ،أن الأمير ليس صديقًا لفرنسا،وإنما لشخص نابليون الثالث تحديدًا…
وإذا أصرَّ البعض على الخلط،وعدم الفصل بين الصداقتين،فهذا هو الافتراء بعينه،والتدليس الصارخ وفق كل المقاييس…
ليس من اللائق أن يستمرَّ الرئيس ماكرون في التلبيس والتدليس على العالم أن الأمير عبد القادر صديق لفرنسا،ويُثني عليه باعتباره قدوةً في التسامح،فهذا تسفيه للعقول على طريقة اللامبالاة بحقائق الماضي، والتعامي عمّا سجَّله التاريخ…
نعم هو قدوة في التسامح الديني، وقدوة في التعامل الإنساني حتى مع أسرى الحرب من الفرنسيين، ولكن هذا لا يُلغي الجانب الأهم في شخصية الأمير، وهو اختياره طريق الحرب والمواجهة مع فرنسا، للخلاص من الاحتلال وتحرير البلاد
لقد تناسى الفرنسيون حملات التعبئة التي أرسلوها للجزائر، وتناسَوا أجراس الخطر التي قرعوها مدة عقدين من الزمن، وهم يحشدون ما يستطيعون من قوة للقضاء على المقاومة الجزائرية، التي كان الأمير قائدَها ومدبِّرَ أمرها، وقدوتَها في الثبات على المبادئ، وتحمُّل شظف العيش وقسوته في سبيل تحرير الجزائر…
لقد تناسَوا كلَّ ذلك وتَعامَوا عنه، وركَّزوا فقط على ما قام به الأمير من أعمال إنسانية في فتنة دمشق عام 1860م،حيث حمى المسيحيِّين في الديار الشامية، لأنه يعدُّهم أهلَه وإخوتَه في بلده الثاني دمشق، فضلاً عن أن التزامه بتعاليم الإسلام ونهجه يفرض عليه وعلى غيره من المسلمين القيام بتلك الأعمالَ الإنسانية التي قام بها…
ونودُّ التذكير أن اللعب على وتر حماية الأمير للمسيحيين العرب السوريين في دمشق،التي ختمَ بها مسيرته بسمة التسامح والسلام الإنساني، لا تعني حمايةَ الفرنسيين أو صداقة فرنسا، خلافًا لما تروِّج له السياسية الفرنسية،من الخلط بين سماحة رجل مسلم وصداقة فرنسا، أو بعبارة أخرى الخلط بين التقوى والسياسية…
نقول لأطراف ملف الذاكرة بين البلدين: افعلو ما بدا لكم، ولتقفوا عند حد حقبة الأمير، فلا شأن لكم بحقبة الأمير وحقوقها،وليس هناك حتى بوادر على أرض الواقع تُثبت أن الطرفين مؤهَّلين حتى الآن لتقييمها أصلاً،ولا سيما أن العدالة الجزائرية ودوائر الحالة المدنية مازالت تُعيق تسجيل شهادات الميلاد والوفاة لوالد الأمير وأبنائه وإخوته في سجلات الحالة المدنية، بحجة أن فرنسا نهبت سِجِلات الحالة المدنية…
ولا يَخفى ما لهذه الإجراءات من أثر سلبي في طمس الذاكرة الوطنية، وكلُّ طرف للأسف يرمي باللوم على الآخر في مشهد مكشوف…
فرية أن الأمير صديقٌ لفرنسا لا ندري كيف وبأي منطق يستمر تمرير مثل هذه المزاعم، ولا سيما أن أصحابها يضعونها في سياق التاريخ، على حين أن التاريخ يُثبت أن الأمير كان صديقًا لنابليون الثالث بشخصه، لا لاعتبار آخر…
❓فلو كان الأمير صديقًا لفرنسا فلماذا لم يتواصل مع قادة الجمهورية الفرنسية الثالثة،التي صعدت عام 1871م،بعد سقوط وهزيمة الإمبراطورية النابليونية الثانية أمام الألمان،وتسليم نابليون نفسه للجيش الألماني في معركة سيدان،وقد عاش الأمير ثلاث عشرة سنة بعدها على قطيعة سياسية ودبلوماسية مع الجمهورية الفرنسية الثالثة…❓
❶- لو كان الأمير صديقًا لفرنسا هل كان سيُرسل نجلَه الأمير محيي الدين عام 1871م،ليفجر ثورة في شرق البلاد،ويستقصي أحوال العدو الفرنسي وأخباره بعد انكسار جيشه أمام الجيوش الألمانية…
❷-صداقة الأمير لشخص نابليون مُبرَّرة لاعتبارات كثيرة تم إخفاؤها وطمس كواليسها وخلفياتها جهلاً، فعائلة نابليون التي حكمت أوروربا وفرنسا ليست فرنسية العقيدة، فأفرادها من مواطني كورسيكا،ولا يوجد فرد من هذه الجزيرة إلا ويحمل غِلاًّ باطنيًّا على الفرنسيين، بسبب احتلالهم للجزيرة وعنجهيتهم،حتى قيل في نابليون بونابرات الأول أنه لم يكن يُتقن اللكنة الفرنسية،يُضاف إلى ذلك أن نابليون الثالث هو نجل ملك هولندا، وجار عليه الزمان،وأذلته فرنسا في سجونها وزنازينها لأعوام طوال، وحين فرّ من السجن،وثار على الملك فيليب لويس،وجد نابليون أن اعتقال الأمير نابع عن الطغيان ذاته الذي ذاق هو نفسُه مراراته،ولهذا خفَّف بالتدريج القيود عن الأمير في سجنه الأمبوازي،وصرح للأمير بهذا في لقاءات ومرسلات سرية بينهما، حيث كان الغرض من السرية خشية نابليون من إثارة الرأي العام وأهل السياسية في فرنسا ضده،فكان يُساعد الأمير،ويعمل على انتشاله من الوحل الفرنسي،بمجهود شخصي منه…
❸-شخصية نابليون الثالث تحمل نُبلاً،على عكس ملوك فرنسا وحكامها،الذين خرَّبوا حياة الأمم ونكَّلوا بها،ويستطيع كلُّ باحث التأكُّد من هذا بالعودة إلى الصحف والأقلام الفرنسية،وبيان الأحزاب التي نكَّلت بشخصية نابليون الثالث، فلم يسلم حتى من إنكار نسبه إلى عائلة نابليون بونابرت،وقولهم عنه أنه “انقلابي طاغية” يُفهم منه أن كثرتهم كانت على عداء كبير لشخص نابليون الثالث…
❹-يعتبر نابليون الثالث نفسَه بالنسبة للأمير طفرة فريدة،وأن من مهامه بعد أن وصل إلى السلطة تخليص الأمير من سجنه،الذي وضعَه فيه
عدوٌ مشترك هو الملك الغادر فيليب لويس …
فقال نابليون للأمير ومدحه:
اعلَمْ يا عبدَ القادر أنّي أحببتُكَ لثلاثِ خِصال:دافعت عن دينك ووطنك…
ولما عجزتَ استسلمتَ للقدر،وقد أحسَنتَ بتسليمك لدولة عظيمة، وإن لم تُوفِ بعهدها،فأنا قد وفيتُ به،وأزلتُ عنها ذلك العار التي ارتكبَتْه ثم قال وعندما كُنتَ محجورًا عليك صبرتَ وتحمَّلتَ واشكرِ اللهَ حيثُ كنتَ محجورًا عليك، وأنت بين عائلتك وحشمك، وأما أنا فقد كنتُ محجورًا عليّ في حجرةٍ وحدي،لا أرى الشمسَ إلا ساعةً من النهار
وقد نقل إلينا صاحب تحفة الزائر أن الأمير كان يستغرب شدة اعتناء نابليون بشؤونه،وحُسنَ التفاته له، حتى صار الناس يُعلِّقون آمالهم عليه في حل مصالحهم ومشاكلهم الجسيمه،فنابليون مثله كمثل
﴿رجل نبيل وسط أمة شريرة﴾…
❺-قال الأمير لنابليون:لولا العناية الإلهية التي استعملتكم في خلاصي وإطلاق سراحي لما أصبحت حرًّا… فعن أي صداقة يتحدَّث المنطق الفرنسي بالتعميم على فرنسا، والأمير يُصرِّح علنًا أنها محصورة بشخص نابليون الثالث…
❻-كيف لا يحترم الأمير شخص نابليون،وقد وقف في وجه تيار كبير في مجلس الأمة الفرنسي،ممن طالب بمحاكمة الأمير وإعدامه؟ وكيف لا يكون صديقَه،وقد أمر نابليون سلطان مراكش عام 1850م بإطلاق سراح من تبقى حيًّا من الأسرى،ومن بينهم ابن أخي الأمير، الشهيد محمد الصادق بن السعيد، الذي خرج من زنازين مراكش معلولاً جراء التعذيب،وتُوفِّي لحظة وصوله إلى حضن أهله…
❼-بعد ثورته نابليون للإمبراطورية الثانية 1852م المسماة بـ”روبيكوني” التي وصفها الفريق محمد باشا في تحفة الزائر بثورة جدع أنوف الأحزاب وأهل العصبيات الفرنسية الحاقدة،المُصرّة على سَجن الأمير وإذلاله،فلم يطلق سراح الأمير بقرار قضائي،ولا بقرار حكومي صادر عن البرلمان،بل بقرار شخصي من الإمبراطور،رغم المعارضة القوية من الفرنسيين وقد دون الكاتب الفرنسي شارل إينار،الذي تحدَّث عن تقلُّب أحول الدنيا بعد ثورة نابليون،مقارنًا بين حال الجنرال لامورسيير الذي غلب وخدع الأمير،والذي أصبح يمشي بين الناس ذليلًا…
❽-ثورة نابليون أدَّت إلى اعتقال الجنرال لامورسيير، ونفي الجنرال تريزل وكل الحرس القديم الذي حارب الأمير،وقد سُجن بعضهم، على حين أُبعِد الآخرون عن مراكز السلطة الفرنسية في الإمبراطورية الثانية…
❾-صرَّح نابليون للأمير مرارًا أن تعامل فرنسا مع ملفِّ الأمير كان مخزيًا،وكان وحلاً غرق هو نفسه فيه،وذكر له مرارًا أن سَجنَه قد كدَّره كدرًا حقيقيًّا…
وقد ذهب بنفسه إلى سِجنه في إمبواز، معتذرًا منه، وانحنى وقبَّل يد والدة الأمير، السيدة الزهراء وطيَّب خاطرها،وطلب منها الدعاء والرضا، ففعلَت وأخلى الحراسة من على الجدران،وحرَّر كثيرًا من رجالات الأمير،وأعادهم الى الجزائر وفق رغبتهم،وأقر نابليون أنه أزال العار الذي ارتكبته فرنسا بغدرها بالميثاق مع الأمير،وطلب الصفح من الأمير، حتى قال الأمير بأن ما فعله معه نابليون كان محل استغراب وإعجاب كبير…
❿- لم يرفض نابليون طلبًا للأمير، مع أن الأمير كان أسيرًا لا حول له ولا قوة،ونابليون كان ملكًا على فرنسا والجزائر،وليس بحاجة إلى الأمير الضعيف والمنكسر حينها…
⁉️-ولتعلموا مدى عجائب شخص نابليون الثالث فقد دعا الأمير إلى زيارته في باريس عام 1865م، ولقاؤهما موثَّق في الصورة،وهمس حينها في ذلك اللقاء في أذن الأمير، وهو يخشى أن يتسرب الخبر إلى وزراء دولته،قبل معرفة رأي الأمير بذلك،همس: ﴿أريدك أن تعود إلى الجزائر ملكًا ونائبًا لي في إفريقيا﴾ فأجابه الأمير دون تفكير بـ”لا” وتحجَّج بتقدمه بالسن،وعدم رغبته في العودة إلى شؤون الحكم والسياسة…
فأجاب نابليون الأمير: أجبتني بلسانك لا بقلبك…
وهذا يدلُّنا على أن نابليون كان يشعر من واجب ضميره بضرورة إعادة الأمير من منفاه بالمشرق إلى مكانه الطبيعي،ولكن الأمير له حساباته الأخلاقية في رفضه لذلك الطلب…
🔴-لو أن الأمير لم يُرَبِّ أهل بيته على معاداة فرنسا عقيدةً،والخروج عليها عند الفرصة المناسبة،لما رفض العروض والقصور التي قُدِّمت له للتخلي عن ميثاق الهجرة إلى الشرق،خشيةً على أبنائه وذريّته من الفرنسة…
ولو كان الأمير صديقًا لفرنسا لما حافظ أحفادُه وأحفاد إخوته في سوريا على عقيدة محاربة الفرنسيين،حين احتلُّوا دمشق عام 1920م ،حيث خرجوا عليها، فكان الحفيد الأمير طاهر أوَّلَ مُدبِّر للثورة السورية ضد الفرنسيين، وقد سَجنته فرنسا عامين في معسكراتها،وكل ذلك مدوَّن في مذكرات الجنرال سكوت سراي…
ولو كان الأمير صديقًا لفرنسا لما استشهد الشهيد عز الدين في سوريا برصاص الفرنسيين في ثورة الغوطة عام 1925،ولما عزلت القوات الفرنسية كلَّ أحفاد الأمير عن السلطة التي كانوا يتولَّونها في سوريا،وهمَّشتهم وحجبتهم عنها مدة الاحتلال الفرنسي في بلاد الشام…
ولو كان الأمير صديقًا أو مواليًا لفرنسا فهل تعتقدون أنه كان يخشى أحدًا من الناس في الاعتراف أو التصريح في زمانه ومكانه شرقًا وغربًا بذلك❓
والأمثلة والأقوال الموثقة كثيرة، ولكننا لم نُفِض في ذكرها طلبًا للاختصار…
🔺- الأمير طاهر بن احمد بن الأمير عبد القادر…
🔺-الثورة العربية ضد الانتداب الفرنسي عام 1920م…