مخطوطة : تُحفة الزّائر
نخبة ما تسر به النواظر…
أخبار بعض بايات الجزائر،ممَّن قَنِعَ الأمير عبد القادر في حُسن أدائهم ووطنيتهم في العهد الجديد،أمثال مُصطفى باي نجل الباي المقلَّج…
-وقد ولاَّه الأمير قائدًا لجيش تلمسان، ونائباً للبوحميدي الولهاصي في المُقاطعة الثانية تلمسان،لِما اشتهر عن الباي هذا مِن حُسن أدائه العسكري، وحسن الولاء للعهد الجديد…
﴿☪︎﴾-ومع أن الباي هذا من طائفة الكول أوغلان الأتراك الذين سجلت المصادر انخراط الكثير منهم في العداء إلى ثورة الأمير لمصلحة المُحتل…
–تكشف لنا هذه الحقائق النَّظرةَ السياسية البعيدة للأمير تجاه اندماج طائفتهم تحت العهد الوطني الحديث…
-فلم يُقْصِ الأميرُ مَن استوطن القطر الجزائري من البايات،الذين جاءت تَسميتُهم فيالمصدر بطائفة الكول أوغلان،بعد زوال عهدهم، وإِنَّما أشركَ بعضَهم فيالمناصب،ممَّن حسن ولاؤُه لأمير المؤمنين عبد القادر بن مُحيي الدين،على خلافالنظرة الخاطئة التي يُروِّجها بعضُ المشتغلين في التاريخ…
﴿☪︎﴾حَرِصَ الأمير في الحكومة الجزائرية الحديثة،تعيين المناصب على مبدأ ميزان العدلوالكفاءة،بغضِّ النظر عن العرق والقربى والمحسوبية وغيرها من الاعتبارات، وهو الذيأرسى فكرة أن العنصرية والإسلام لا يجتمعان…
– ثبت هذا في نهجه حينما عزل أخاه الأمير مصطفى بن مُحيي الدين، عندما أخفق فيالمهامِّ الموكولة إليه في المقاطعة الرابعة، بحاضرتها المديةِ،وولَّى عليها بدل أخيه الخليفة محمد البركاني،مجسِّداً مبدأ: لافضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ علىعربيٍّ،ولا لأحمرَ على أسودَ،ولا لأسودَ على أحمرَ، إلابالتقوى والعَمَلِ الصَّالح…
-وقد وثَّق الأمير هذا المبدأ في مخطوطاته ومراسلاته للعروش والقبائل…
﴿☪︎﴾ -واعلموا أَنَّ غايتي القصوى اتّحادَ المِلّةِ المحمَّديةِ،والقيامَ بالشعائرِ الأحمديةِ،وعلى اللهِ الاتِّكالُ في ذلِكَ كلِّه…
﴿☪︎﴾-ومن مَزايا سياسة الأمير وأدُ الطَّائفية والعنصرية،ممتثلاً قول الله تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذِهِأُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾…
-ويشرح لنا أَجْدَرُ من أرَّخ لتلك الحقبة، ولأحداث القرن التاسع عشر وما قبلها، الفريقمحمد باشا،لخاصية لم تتوفَّر في غيره ممَّن أرَّخوا للبلاد الجزائرية، لكونه الوحيد الذيعاصر الأحداث المرتبطة بوالده الأمير مباشرةً، وبعد وفاته التحق كضابط وياور حربكبير بجيش الدولة العلية،مُقرَّباً من سلاطينها وحُكامها، فلا يضاهيه أحد بتوضيح الأحداث ممَّن أرَّخ لتلك الحقبة وخفايا كواليسها…
﴿☪︎﴾ -وقد ترك لنا المؤرخ لمحة في مؤلفه “تحفة الزائر” بأن طائفة الكول أوغلان هم الجنود والقادة من جيوش الدولة العلية،التي كانت مترامية الأطراف في العالم، والذين قابلتهم أغلبية أسلاف الجزائريين بالترحاب إبان الغزو الإسباني لسواحل الجزائر، ثم حين استولوا على الحكومة الجزائرية لما لهم من شوكة أدَّى ذلك إلى وجود مُعترِض ومُرحِّب من أمراء و زعامات الوطن الجزائري،فأما المُرحِّبين بهم من أسلاف الجزائريين فقد كان ذلك نابعاً من حرصهم الموروث في ثقافاتهم،منذ أن أشرق مولد نور الإسلام في المغارب،تعزيزا لاتحاد ورفعة شوكة الأمة عامةً من أقصى شرقها إلى مغربها أمام الغزو الأوروبي…
﴿☪︎﴾ –وكذلك فنَّدَ الإمام أحمد بن مُحيي الدين أخو الأمير في تاريخيه نُخبة ما تسِر به النواظر وأبهج ما يُسطَّرُ في الدفاتر، بأن ولاة العثمانين مطلع عهدهم ليسوا كأواخره، فقد أشادوا في البداية الصنائع والأشياء المزخرفة العجيبة، والأبنية المشيدة والأسرة المنضدة والحصون المنيعة، والقلاع الوثيقة،وقد جبي إليها خراج ذلك الإقليم مدة ثلاثمئة وسبع وثلاثين سنة، واستقر المُلك بها في المدة المذكورة، وكانت في المئة الأولى وبعدها بقليل تحت إدارة الدولة العثمانية بحيث إن واليها يتولى من طرفها ويعزل بأمرها، وكانت سيرتهم في ذلك الإقليم وقتئذ محمودة لعدلهم في الرعية وحسن سياستهم،ثم مرحلة الانحراف بدءاً من ممارسة الاستبداد والاستكبار في الرعية ثم مرحلة تمردّ أولئك الأتراك الذين توالدوا بإقليم الجزائر، ولم يبق بينهم وبين الدولة العثمانية اتصال إلا بالخطبة باسم السلطان العثماني وضرب السكة باسمه،وصاروا يولون الوالي مدة،ثم إذا شاؤوا قتلوه،وولّوا غيره،ومن غريب ما اتفق لهم أنهم في يوم واحد ولوا سبعة ولاة، ينصِّبون واحداً، ثم يعزلونه ويقتلونه، ويولون غيره،وهكذا، ثم طغــت تلك الأمراء، وتجبرت آخر أمرها على الرعية، وأكثرتْ مِنَ الظلم والعدوان وسفك الدماء بغير حق، وعثت في الإقليم وفسدت، فأهلكت الحرث والنسل حتى بلغ النهاية،وذلك علامة على الخراب سريعاً كـمـا هـي عــادة الله تعالى في خلقه،يُقال: إن المُلك يدوم مع الكفر ولا يدوم مع الظُلم،قال تعالى: ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَرْنَهَا تَدْمِيرًا ﴾
ثـــــم قال : فانتقم الله تعالى من أولئك الظلمة،وشتت شملهم…
وقد أشار إليهم الفريق محمد باشا في تاريخه بمصطلح الكول أوغلان السائد حسب ذلك الزمان،على أنهم هم من تزاوجوا واندمجوا مع المجتمع الجزائري، مُذكِّراً أن عدد تلك الشخوص لا يتجاوز الآلاف منذ نزول بربروس الأول حتى زوال عهدهم عام 1830م…
-وأشار أيضا في هذا الصَّدد تقلَّد بعضُ أبناء الجزائر مناصب مُهِمَّة،ومنهم من شغل منصب الباي،مع أنه من أصول جزائرية،على سبيل المثال الباي أحمد بن أحمد الشريف، أوَّل من تولَّى من الجزائرين ولاية في الجزائر، وتلقَّب بالباي…