المُجاهد الكبير أحمد بن سالم
وُلِدَ أحمد بن سالم في حدود عام تقريباً 1800م،في جبال جرجرة، وهو من أعيانووجهاء جبال الزواوة،
توفِّي في دمشق سنة 1857م…
–أخذ بفتوى وجوب الهجرة مع جموع غفيرة إلى بلاد المسلمين، بعد سقوطالدولة،رافضاً العيش تحت ولاية الفرنجة،وكانت هجرته إلى دمشق ووفاته فيها،كماجاء في تحفة الزائر…
-في هذا الصدد هناك عبارة، يتداولها بعضُ العوام في الجزائر، ويُردِّدها البعض وهي
﴿ما لهم الزواوة مع فرنسا﴾ …
وهذه العبارة لا أساس لها من الصحة فلم ترد لا في المصادر المخطوطة ولا فيالمراجع المطبوعة،عن حقبة الأمير، وليس لها رواية شفهية متواترة،وإنَّما تقوَّلهابعضُهم ونسبوها زورًا إلى الأمير،كغيرها من المقولات الواهية، وشاعت بين بعضالعوام على أن الأمير قالها وهو ينظر إلى الجثث…
-وهي محض افتراء على ماضي تاريخ حُقبة الأمير،تتناقض مع شهادة شهودحقبته،وأغلب التقدير أنها من نتائج الخلط بين مصطلح الزواف و الزواوة فكيف نستنتجصحة ذلك في هذه الجزئية…
1- جاء في مصدر أخي الأمير الأصغر الإمام المُفتي أحمد بن محيي الدين حرفيّاً،في نُخبةما تُسرُّ به النواظر،وهو شاهد عيان على تلك المواجهات مع الزواف قائلاً في الصفحة77و 78: ومن العجب أنهم وجدوا في هذه المَقتلة عساكرَ مصرية،وكذلك منالجيوش، قاصداً البشرة السمراء،ولما يئس ابن الملك فيليب في تلك المعركة من الفوزأمر بتقديم طائفة من عسكرهم المُسمَّى بالزواف،ليتقدَّم الصُّفوفَ،ثم جُرح ابنُ الملكفي تلك المعمعة، إلى آخر ما ذكره من الأحداث…
2-وفي ذات مصدر النُخبة سبق الإمام أحمد في باب تَسّلُّط الفرنسيس على الجزائر فيالصفحة رقم 35 إبان سرده سِياق تلك الأحداث على أنه كان سبب انهيار الدولةالجزائرية قُبيل الاحتلال مُّبِيناً قبلها بصفحة فسادْ إدارة الجزائر وظُلْمُ الرَّعيَّةِ واسْتِجْلابُالبَليَّة من خلال سوء سياساتهم الخارجية، قائلاً في روايته حرفياً:
﴿ولم يبقى لقوات البحرية الجزائرية حزمٌ بعد وفاة رئيس مراكبها وزعيمها المِقدامأمير البحر حميد الزواوي رحمه الله﴾…
–فهذه شهادة لأخي مؤسس الدولة ﴿الحديثة﴾ أن الزواف يختلفون عن الزواوة وقدشرح وفصَّل في أن الزواف كانوا محض أخلاط من الناس كلِّها ومن الجيوش السودانية…
–لمحة عن سيرة خليفة الأمير أحمد بن سالم في جبال الزواوة…
–جاء في التُحفة،الذي خصَّص له أكثر من فصل معنون باسمه، على أنه من النمور، وأبرزخُلفاء الأمير ممَّن سقطوا عسكريّاً في حصار عسكري مطبق مع لمَّة من ذويه في سورالغزلان، فاستأمن قوات الاحتلال على شرط الهجرة،فأمَّنوه وهاجر ووصل دمشقَ عام1847م، فترة غرق الأمير في وحل الأسر والتسليم…
– ومن أجمل رسائله إلى الأمير عبد القادر،حين أُشيع إبان أيام بداية النهاية في الشمالالشرقي من البلاد مقتلُ الأمير عبد القادر،حيث كثُرت حينها الرسائلُ المُزيَّفة التي تُزعزعالثقة في الأمير،والتي عبثت بها أيدي المُخبِرِين والعُملاء للفرنسيين،لزرع البلبة وزعزةجيوشه المتفرّقة في كل البلاد…
–جاء في الرسالة التي دوَّنها من جبال جرجرة حرفيّاً:
1-إلى أمير المؤمنين،مُتعطِّشونَ إلى مكاتيبكم،ومن المعلوم أن ما تُسطِّره يدُكمالشريفةُ يُحيي النفوس منا والآمال،وقد أشاع المُرجِفُون ما لا نقدر على ذِكره، ودخلالشكُّ على الناس في وجودكم الشريف…
﴿☪︎﴾– ثم يقول ابن سالم في رسالته: وقد بلغني أن الفرنسيين عازمون على الزحف إلىجبالنا،وبعد تقهقُر الأوضاع لم يعد لدي ثقة أكيدة بطاعة البعض وانقيادهم إلىكلمتي،وأُعلِمُكم أن الخليفة محمد البُركاني يخوض المعارك على مقربة منا،ومنالاستحالة نجدتي ونصرتي، وعلى كل حال فأنا أسألكم بالله تعالىٰ أن تَردُّوا لي الجوابَبخطِّ يَدِكُم،انتهى …
–أجابه الأميرُ:
2-إني اطَّلعتُ على مكتوبكم، مُخبِراً بأن خبرَ موتي قد امتدَّ الى الشرق،فاعلَمْ أنَّ الموتَلامَفرَّ منه ولا محيدَ عنه، إذ هو من قضاء الله، وإني أحمد الله إذ لم تأتِ ساعتي بعدُ،ولم يزل عندي من القوة والاقتدار ما أُؤمِّل به مهاجمةَ أعداء ديننا،فكن في راحة،ساكنَالبال صَبوراً،ومتى استقرَّ الأمرُ لنا هنا نتوجَّه إلى نواحيكم انتهى…
–ثم في أثناء تلك الظروف انتهز المارشال بيجو والأمير دوق دومال آل فيليب الفرصةَ،وجهَّزا حملة كبيرة بقيادة الجنرال براگلو،للثأر من الخليفة محمد عقبة،فاشتبكتالحملةُ الفرنسية مع قوات الخليفة محمد عقبة،وكان النصر للفرنسيِّين،فاستولوا فيأعقابها على بسكرة وباتنة،ثم الزيبان، وسيطروا على منطقةٍ تُسمَّى حينها ﴿گولو ﴾ علىحُدودِ تونس،ووضعوا فيها حامية وذخائر…
–ولما توالت الكوارثُ على المؤمنين حارت العقول،ويئس بعضُهم من اللقاءببعضٍ،وقد ظهر ذلك في مكاتباتهم ورسائلهم،ومن ذلك أنَّ السيد قدور بن علال، الذيكان مع الأمير عبد القادر في الجهة الغربية، كتب إلى السيد أحمد بن سالم، وهو مقيمفي جبال زواوة شرقاً…
3-إلى السيد أحمد بن سالم،إن الخطوب ألمَّت بنا،والمصائب أنشبت أظفارهافينا،فلذلك انقطع أملي من اجتماع الشَّمل في الدنيا، إلا إنْ شاءه الله،والحقُّ تعالىيُظهِر العجائب والخوارق،انتهى…
–فأجابه بن سالم…
4- أيها الأخ،إن الشدائد لا تَدوم، والليالي حبالى لا يُدرى ما تَلِدُ،وإني أسأل الله تعالى أنينصر سلطانَنا الأمير عبد القادر،ويُؤمِّنَنا في أوطاننا،ويَرُدَّ علينا ما أخذ منا وأعطاهلعَدوِّنا،فكن أيُّها الأخ دائماً في كل حال ملتجئًا إلى الله تعالى، ولا تيأس،فإنَّني مُوقِنٌباجتماعنا نحن الثلاثة،مع ما نحن عليه الآن مِن مُقاساةِ كَثرة الأعداء…
–ثم إن الأمير أخذ يتابع غزواته في البلاد،ويَسِمُ أهلَها بالخسف والدمار، وفي أثناء ذلكحضر وفد من الخليفة ابن سالم إلى الأمير من الشرق، فأكرم وفادتَهم، وأطلعهم علىسائر أحواله،وعند رجوعهم إلى أوطانهم: سيَّر معهم مكتوباً إلى الخليفة، نصَّه:
5-أما بعد،فإني أوصيك بتقوى الله تعالى وشكره في الشدة،وكُنْ صبوراً علىالمصائب،فالصبر مفتاح الفرج،وكن جسوراً،واجمع عساكِرَك واعضُدْهم برأيكالسديد،وتحمَّلْ منهم هفواتهم،ودَبِّرْ أمورَهم حسبما يجب،فإنَّ هذه الأحوال لاتدوم،وإني لأرجو أن أكون عندكم، ومن هناك تظهر لنا الجادّةُ التي نتَّبعها، ونسلكعليها…
6-وكتب إلى جيوشه في جرجرة يتشوَّق إليهم ويَمدحهم،فقال:
القصيدة مرفقة في رابط الموقع أسفله…
–واستمرت المعارك والهجمات المتفرقة،وفي أواخر عامي 1844و 1845م وصل وفدمن قبل الخليفة ابن سالم من الشرق إلى مكان الأمير عبد القادر للاطمئنان عليه، فأكرَمَوِفادتَهم وأطلعهم على أحوال البلاد…
– آخر أعمال ابن مُحيي الدين فثي جبال جرجرة …
–أخذ الأمير يتنقَّل من موضع إلى آخر،إلى أن وصل جبال زواوة، وتحصَّن بجبل جرجرةمنها،وهناك استقبله خليفته المغوار السيد أحمد بن سالم،وكان آخر لقاء بينهما فيأرض الوطن،ثم بلغَه قُربُ العدو منهم،فأغذَّ السَّيرَ، وقطع مع فرسانه مسافة أربعةمراحل في ليلة واحدة، وكان كلما وصل إلى قوم ركبوا معه ورافقوه إلى قومآخرين،وهكذا إلى أن وصل إلى جرجرة،فسُمِّي حينها «بأبي ليلة»…
–وفي جرجرة حطَّ رحالَه،واستراح بين أنصاره ومريديه،ثم في تلك المناطق أغار على نَفَرٍمن بني هيدورة،وهم من القبائل الذين دخلوا حينها في طاعة الفرنسيين، ثم أغار علىمنازلهم شرق المدية بعد أن فصّل له خليفتُه ابن سالم أحوالَ قومه،ومن انشقَّ عنالمؤمنين،وما آلت إليه أحوالُهم…
–ثم اجتمع بالأمير نَفَرٌ من قبائل الزواوة،وأبدوا رغبتهم بالقتال حتى الموت تحترايته،فانتخب منهم نحو خمسة آلاف فارس،وأغار بهم نحو متيجة،التي كانت قد خرجتحينها من يده،ودخلت في طاعة الفرنسيين فهرب الفرنسيون أمامه إلى مدينةالجزائر،واستمرَّ بالغارات على كل تلك الجموع التي قدَّمت الطاعة لفرنسا،حتى وصلأطراف المدية،فبلغت أخبارُ فتكه بعملاء الاحتلال مسامعَ العدو…
– ثم أغار على أطراف مدينة الجزائر وبوفاريك وأطراف المدية، واستولت جيوشه علىكثير من الغنائم،فرجع إلى جبال جرجرة، ومنها ارتحل الرحلة الأخيرة من جبال جرجرةإلى الجهة الشمالية في البلاد،ونزل في أرض فليسة من قبائل الزواوة على مقربة مندلس، القريبة من مدينة الجزائر بمرحلة، وعاد يشن الغارات المتتالية من تلك النواحيعلى أطرف مدينة الجزائر وسهول متيجة…
–وقد جاء حرفيًّا في التحفة:
بعد تسليم واستئمان الخليفة أحمد بن سالم إلى الفرانسيس انتهز الجنرال بيجوالفرصة،فخرج في الجيوش إلى جبال البربر وأوقع بأهلها،ثم سار في الجهات الجنوبية،ووصل إلى صطيف والزيبان وبسكرة ونواحي الجلفة وأولاد نائل وجبل العمور، ووقعتفي تلك النواحي حروب جسيمة كانت النصرة فيها لجيوش المارشال بيجو …
سمات ابن سالم كما جاء في مصدر مصدر تُحفة الزائر
اشتهر عنه شدَّة البأس في الحروب، وقوة الجأش، وحسن السياسة…
–المصادر الوطنية الحرفية لما ورد في المقال…
تُحفة الزائر في مآثر الأمير عبد القادر للفريق محمد باشا الجزائري مخطوطة عام 1890م…
نُخبة ما تسر به النواظر وأبهج ما يُسّطر في الدفاتر للإمام المُفتي أحمد بن محيي الدين …
تعطير المشام في مآثر دمشق الشام للعلّامة الموسوعي جمال الدين القاسمي …