🔺-نُخبة ما تُسَرُّ به النّواظر، وأبهج ما يُسَطَّر في الدفاتر ، وهي ترجمة مكثَّفة مختصرة عن سيرة الأمير المجاهد عبد القادر بن محيي الدين الجزائريّ، مودعة في موسوعة “تعطير المشامّ في محاسن دمشق الشّام” للشيخ جمال الدين القاسميّ،
🔺-المصدر : مذكرات الكولونيل تشرشل…
🔺- مخطوطة تحفة الزائر،النسخة الأصلية، مخطوطة 1890م…
🔺- المصدر الاستقصا في أخبار المغرب
للمُدَلِّس الكبير أحمد بن خالد الناصري مصدر مخزني معاصر للأحداث،تحقيق جعفر الناصري…
🔺-ذكرى نكسة الواحد والعشرين من ديسمبر 1847م ليلة حصار الأمير الأخيرة،وقراره في هذه الليلة قبول الاستئمان للعدو الفرنسي هو الأمير الذي كَسرت ظهره ولَوَت ذراعَه حرائرُ النساء والأطفال، وهو الذي مارسَ العدوُّ بحقِّه وحقِّ أصحابه كلَّ أنواع القتل، وبأحدث الأسلحة، لكنه ظلَّ الأعجوبة الذي عجز عن قتله أعدائه حينها ابتسم الأمير وهو مغلوب فأفقدَ المنتصرَ لذّةَ الفوز لينتصر الأمير في التاريخ أبدَ الدهر،
-لقد اختار الأمير عبد القادر وقف الحرب في تلك الليلة بعد أن تيقن أن موته يُعد خذلاناً للمؤمنين والمؤمنات الذين وقعوا في شباك العدو وتأبى الرجالُ إلا وأن تصنع حلاً لإسعاف النساء والأطفال والمستضعفين ولا سيما أن الأمير قد واجهَ الموتَ عشرات المرات إبان معاركه،وهو أصلاً لا يرى للموت رهبةً،لكن ليس من الرجولة،حين تيأس وسط المعركة من حسمِ النصر،أن تهرول إلى الموت،وخاصة إن كان موتُك سيجرُّ الأحقاد على مَن معك وتضعهم عرضةً للتنكيل والذل،في تسليم الأبرياء إلى السبي والمجاهدينَ للتشفي بهم…
إنه القرار الصعب،الذي يختاره الحرُّ، وهو موقن أن لا خيار لديه سواه…
﴿(وفي ذاك اليوم بالذات انتصرت الحكمة على الموت، وكان للحكمة درجة أعلى من طلب الشهادة في سبيل الله﴾)…
اضطر الأمير،نكاية بجيوش الغدر المراكشية،بعد كل أفاعيلهم الدنيئة التي خبِرها الأمير وجيشه في المعارك الأخيرة بينهم،اضطرَّ إلى التراجع من منطقة سلوان باتجاه الحدود الجزائرية،حيث استقرت الدائرة بأهلها مقابل تلة وادي نهر ملوية ووادي قيس،وخلال معارك عبور نهر ملوية،الذي صبغت الدماء ماءَه،لم يعد أمام جيش الأمير من مفرّ،وأصبحوا محصورين بين جبل وعر ونهر كبير،وأضحى المحاربون وهم على أفراسهم تجرفهم مياه النهر،وترميهم إلى البحر المجاور، فاستشهد وأُسر الكثير،ولم يبقَ من الجنود المتعافين القادرين على القتال إلا مئتا محارب،مقابل خمسين ألفًا من جيوش المراكشيين،وعشرات الآلاف من الفرنسيين الذين كانوا يتربصون بالأمير من الخلف على الحدود، ويَحولون بينهم وبين الوصول إلى الدائرة…
شهدت ليلة الحادي والعشرين معارك دامية، لو استمرَّت على شدَّتها لكانت النتيجة في اليوم الثاني والعشرين محسومة،إما بقتل الأمير أو أسره…
فأصرَّ أن يبقى في موضع تكون الدائرة على مرمى نظره، خشية مباغتتها والسطو عليها من جيوش أولاد عبد الرحمن بن هشام،وما سيجرُّه ذلك على حرائرها وأطفالها من ويلات وعار…
وشهد شاهد من أهلها، حيث أقر الناصري في شهادته على الأحداث، التي يدرسونها في شعبة التاريخ بالجامعة،المغربية بسبيهم للنساء والأطفال،في عبارة لا يمكن حتى أن تنساها الذاكرة حين قال:
إن الجيش المُحمدي همُ فتيان الكريهة،ُومساعير الهيجاء،وجمرات الحرب،يقتلون أبناءهم ونساءهم بأيديهم في الحروب،لتجنيبهم السَّبي،ويجمعون موتاهم وينصبونهم أشباراً للتَّترُّس بجثثهم…
وأقر أيضاً أن أهل الريف المغربي وكثيرًا من نخب وقبائل وأعيان الدولة،ناصروا الأمير،وأبَوا على سلطان مراكش حربَه على ابن مُحيي الدين،ولولا مناصرة المغاربة للأمير لما تمكَّن من البقاء عامين على التراب المغربي رغما عن أنف عبد الرحمن بن هشام،وهذا يدلُّ على أصالة الشعب المغربي وبراءته من مخزن السلطان…
ونودُّ تذكير أهل المغرب والجزائر،وهم شعبٌ واحد،في بلدين،أن الأمير وجيشه في كل حروبهم وملاحمهم مع الفرنسيين لم يُسجَّل أن المُحتل الفرنسي أقدم على سبي النساء،على حين أن جيوش السلطان الغادر فعلت من التنكيل والدناءة بالمجاهدين وذراريهم،في عام،ما لم تفعله جيوش المحتل الفرنسي،رغم بطشه وإجرامه،في سبعة عشر عامًا…
إن خبرة الأمير وتجاربه مع المحتلّ الفرنسي والسلطان الغادر،هي التي أوصلته إلى قناعته في تلك الليلة بقبول ﴿ (الاستئمان الحربي) ﴾ وبذلك يضمن ألا يفارق الحياة قبل أن يطمئن قلبه على مصير النساء والأطفال والشيوخ،الذين يرى نفسه سبباً بمصيرهم ذاك…
فلو كان الأمير أنانيّاً ومغروراً لاختار فجر تلك الليلة أسهل الطرق، وهي إما خوض معركة الموت الأخيرة وإما البحث عن ثغرة يتمكَّن من خلالها من الفرار إلى الصحراء، بحماية مجموعة من المقربين منه، فينجو ويترك الدائرة،بما فيها من النساء والأطفال والشيوخ، تلاقي مصيرها المحتوم! لكن الأمير ليس ممن يختار أحد هذين الطريقين،فلم يبق أمامَه إلا الاستئمان،حفاظًا على أرواح الدائرة،وتجنيباً لها كلَّ ما يُخشى عليها من الموت والذل والعار…
كان أمام الأمير طريقان للاستئمان،أحدهما أن يُسلِّم نفسه لجيوش مراكش،لكن هذا الطريق كان في نظره أشنع من الهزيمة،وقد أبى عليه مجلس شوراه ذلك،فقرر في تلك الليلة الماطرة الشديدة، التي لم يتمكن فيها حتى من تسطير رسالة الاستئمان فأرسل رسُلَه أول الليل إلى الفرنسيين بشروط مقررة، ففوجِئ قبل بزوغ الفجر بوصول سيف الجنرال لامورسيير، قائد الجيوش الفرنسية،وبرقعة مختومة فارغة،تُعبِّر عن قبوله شروطه كما يحلو له…
وهنا توافدات على عجل رسُلُ الفرنسيين إلى أولاد عبد الرحمن بن هشام،محمد الرابع وأخويه، وأبناء عمومهم المتربصين للمعركة في فجر يوم الثاني والعشرين،تأمرهم بوقف القتال،وانتظار الصلح…
وآخر ما قاله الأمير:أثق فيمن حاربني على من خانني …