ذكرى البيعة الأولى للأمير عبد القادر بن محيي الدين عام 1832م …
🔺في السابع والعشرين من نوڤمبر عام 1832م، اجتمعت إرادة المؤمنين، في جِبال أُمِّ العَساكِر وسهولها، على لَمِّ شمل القبائل الجزائرية، من أجل ولادة أول عقد سياسي في البلاد، يهدف إلى إنشاء دولة جزائرية، يسوسها رجلٌ تتوفر فيه الشروط التامة التي تفرضها الشريعة الإسلامية في شؤون الحُكم والسلطنة، وذلك بعد انْفِضَاض عقد الولاة الأتراك، الذين كانوا يحكمون الجزائر لعقود طوال، وانكسارهم أمام جحافل الاحتلال الفرنجي للتراب الجزائري…
🔺مخطوطة تحفة الزائر،النسخة الأصلية عام 1890م للفريق الأمير محمد باشا…
✯ ✯ ✯
(ذكر البيعة الأولى لسيّدي الوالد)
لما طال على أهل الوطن الأمد، وتوالى عليهم فيما بينهم الكرب والنكد، فآونة يدافعون العدو المُسلَّط، وآونة يحارب بعضهم بعضاً، [ويئسوا من نجدة الدولة العليَّة، التي لها السيادة عليهم، كما هو معلوم للعموم، وظهر لهم عجز جارهم، صاحب المغرب الأقصى عن إغاثتهم]، اجتمع الأشراف والعلماء وأعيان القبائل، من العرب والبربر، وقَدِموا على حضرة سيّدي الجدّ، وألزموه أن يقبل بيعتهم، على الإمارة لنفسه، أو لولده سيّدي الوالد، وحاجُّوه في ذلك، بما أعجزه عن الاعتذار.
فنظر في هذا الأمر، فرأى أن الاهتمام به واجب، وأن القيام به قد تعيَّن عليه شرعاً، من حيث إنه مسموع الكلمة، نافذ الأمر،غير أنه لما كان عاجزاً عن القيام بأعبائه، ورأى أن ولده المنَّوه بهقد بلغ أشدَّه، وأرهف حدُّه، وترشَّح للإمارة وتأهَّل لها،[بتحصيله لشروطها من: حسن هديٍ، وعلوِّ همةٍ، وقوة حواسٍّ،وكمال خلقٍ، وجمال صورةٍ، وشرف نسبٍ، وعزة قومٍ، إلى قوة وفتوة وعلم وحلم وحماسة وسماحة وعزم وحزم وتحفُّظ وتيقُّظ واتقاء وارتقاء، إلى غير ذلك من أفراد الفواضل ومكارم الأخلاق ومحاسنها].
لولا عجائبُ صُنعِ الله ما ثَبَتَ تلك الفضائلُ في لَحمٍ ولا عَصَبِ
وعلم أنه لا مندوحة له عن الإجابة والقبول، إمَّأ له أو لولده، فحينئذٍ استخار الله تعالى، وقدَّم ولدَه للإمارة، مُتوكِّلاً في تأييده وتمام أمره على مالك الملك، فذهبت البشائر بذلك في أقطار الوطن، وعمَّت أنحاءه وأحياءه، وقَبِلَ سيّدي الوالد ما انشرح إليه صدر والده من إمارته، وقال: (أنا لها، أنا لها)،فكان قبوله لها دليلاً على إقبالها، وتلقِّيها بحول الله وقوَّته، أصل استقبالها، قد ادخرها الله له في الأزل، وهيأه لها، ثم أبرزه للقيام بها، عند حلول الأجل، وكان الناس لما رأوا إقدامه للزحف، واقتحامه الصف بعد الصف، وشاهدوا فيه ما ذكرناه من الصفات العلية، والنعوت السنية، اجتمع أشرافهم وعلماؤهم وأعيانهم، وتداعى صغيرهم وكبيرهم، وخيَّموا بوادي فُرُوحةَ من غريس، عند شجرة الدردارة، وهي شجرة عظيمة، كانوا يجتمعون إليها للشورى بينهم، وجاء سيّدي الجَدّ في بنيه، وأقاربه.
وبعد أن تلاحق الناس، الذين يُعتَدُّ بحضورهم البيعة،وجلس سيّدي الوالد تحت الشجرة، قام والده، فبايعه على السمع والطاعة، ولقَّبه بإمام المجاهدين ناصر الدين، وقام عمُّه، سيّدي الجَدّ لأمي، السيد علي بن أبي طالب، وبايعه، والأخوة وسائر القرابة، ثم الأشراف والعلماء والأعيان والرؤساء، على حسب مراتبهم وطبقاتهم، فبايعه الجميع على ما بايعه عليه والده سيّدي الجَد.
ولا يخفى ما في وقوع هذه البيعة، تحت الشجرة، من الاتفاق الغريب، والافتتاح العجيب، وما فيه من الإشارة إلى متابعة سيّدنا رسول الله ﷺ، واقتفاء أثره في بيعة الرضوان، التي نوَّه الله تعالى بقدرها في القرآن، فقال: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) [الفتح: ١٨]، قال المفسرون: هي شجرة أم غيلان، شجر معروف بالحجاز، كان ﷺ في غزوة الحديبية نازلاً تحتها، يستظل بها، فبايعه المؤمنون على الموت،كما قاله سلمة بن الأكوع، وأول من بايعه على ذلك أبو سنان الأسدي روى الطبراني عن عبد الله بن عمر قال: لما دعا النبي ﷺ الناس إلى البيعة كان أوَّلَ مَن انتهى إليه أبو سنان الأسدي، فقال: يا رَسُولَ اللهِ، ابسُط يَدَكَ أُبايِعكَ، فقال ﷺ: «تُبايِعُنِي؟!»، قال: عَلَى ما فِي نَفسِي، قال: «وما في نفسك»، قال: أضرب بسيفي بين يديك حتى يظهرك الله أو أقتل، فبايعه على ذلك، وبايع الناس على بيعة أبي سنان، وبيعة الشجرة هذه كانت سنة ستٍّ من الهجرة.
وبعد الفراغ من المبايعة ركب سيّدي الجَدّ إلى مدينة معسكر حاضرة الإمارة، فطلع على أهل الصلاح فجراً صادقاً، وعلى أهل البغي والفساد نجماً طارقاً، ثم أقبل الأمير بعده في جموعه، وكانت زهاء عشرة آلاف فارس، فبرز أهل البلد احتفالاً به، واستقبلوه في الموضع المعروف بخَصِيبيَة، على مسافة نصف ساعة منها، مظهرين للطاعة وشعائرها، فأقبل عليهم ببشره وابتسامه قبل كلامه، وبعد أن تناول من طعامهم، الذي كانوا أعدُّوه لحضرته، دعا لهم وحثَّهم على الطاعة، والتزام الجماعة، ثم ركب ليدخل البلد، فأطلقت المدافع، وغرَّدت الموسيقات، بما يطرب المسامع، ونشرت الرايات والأعلام، وبرزت المُخدَّرات من القصور والخيام، فدخلها على أحسن حال، وأتمِّ منوال.
ونزل في دار الحكومة، فجلس على كرسيه، [أميراً مطاعاً مبروراً مرعياً محفوظاً مؤيَّداً ملحوظاً]، و دخل عليه أهل البلد،ومن لم يشهد بيعة غريس، أفواجاً أفواجاً لأداء البيعة، ثم قام فدخل داره، وخيَّر أهله والدتي، فقال: إن أردتِ أن تَبقي معي، من غير التفات إلى طلب حقٍّ، فلك ذلك، وإن أبيتِ إلا أن تطلبي حقك، فأمرك بيدك، لأني قد تحمَّلت ما يشغلني عنك.
ثم خرج إلى المسجد الجامع، فصلى الظهر بالناس، ثم خطب عليهم خطبة مبتكرة طويلة، تحتوي على وعظ ووعد ووعيد وأمر ونهي، وحثٍّ على الجهاد، وبعد الانصراف منها انفرد أفاضل العلماء، لتحرير صك البيعة، فكتبه في مجلسهم العالم الجليل السيّد محمد بن عبد القادر، الشهير بابن آمنة، خال الأمير، وهذا نص ما كتبه:
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدّنا محمد الذي لا نبي بعده
الحمد لله، الذي جعل نصب الإمام من مهمات الدين،لتُصان به النفوس والأموال وتجتمع كلمة المسلمين، والصّلاة والسّلام على سيّد المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وبعد، فقد قال ﷺ: «إن الله يحمي بالسلطان ما لا يحمي بالقرآن»، هذا في الزمان الذي فاض فيه العدل، ونضب فيه الجهل، فما بالك بزماننا! الذي كثر فيه الباطل وانتشر، وخَفِيَ فيه الحقُّ ولم يظهر له أثر! حتى إن أعداء الله الكافرين ملكوا كثيراً من بلاد الإسلام، وتشتَّتت الكلمة، واختلَّ النظام، ولم يجد الناس لقتالهم سبيلاً، ولا مِن يكون للجهاد دليلاً، فلجؤوا إلى الله تعالى، وسألوه أن يُيسِّر لهم مَن يقوم بأمر دينهم، فما وجدوا من تتفق عليه كلمة أهل الحَلّ والعَقد سوى السيّد محيي الدين بن مصطفى بن المختار، لكماله وكثرة ما عنده من الأنصار والأعوان، فطلبوا منه أن يبايعوه على السمع والطاعة، فاعتذر إليهم بكبر سنِّه، وبعد زمان طويل تكرَّر فيه مرّات، ووقع إلحاحهم تارات، رأى أن النظر في هذا الأمر قد تعيَّن عليه، وأتاه بعض علماء غريس، وهو من الصالحين، فقال له: إن أولياء الله تعالى قد اتفقوا على نصب ولدك عبد القادر إماماً لنصر دين الله، ورأى أن ولده مستعدٌّ لهذا الأمر، فحينئذٍ وافقهم على نصبه ونصرته، لكونه ذا حزم وعزم وشجاعة، وعقل سليم وذات سليمة، صالحاً لتنفيذ الأحكام.
فاجتمع أهل الحَلّ والعَقد، وبايعوه من غير طلب منه للإمارة، ولا متابعة للنفس الأمّارة، بل بايعوه رغماً عليه، وطالبوا والده بالله تعالى، وتوسَّلوا إليه برسول الله ﷺ مدَّة تزيد على سنتين، فوافقهم على بيعة ولده، تطييباً لخواطرهم، ورعاية لرفع الظلم عن الضعيف، ودفعاً للفساد والتعنيف.
فحضر للبيعة جميعُ أهل غَرِيس: الحشم، شرقي وغربي، وغبّاسِي، وخالدي، وإبراهيمي، وحسّاني، ووفِي، وجعفري، وبُرجِي، وشُقراني، كبني السيّد دحُّو، وبني السيّد أحمد بن علي، والزلامطة، ومغراوة، وخَلويَّة، والمشارِف، وكافة أهل وادي الحمام، وأعلنوا جميعاً بِطاعته وزمرته، والرعاية له، بحيث إنهم يحمونه، بما يحمون به أنفسهم وأموالهم، وأن ينصروه نصراً مؤزراً.
واتفق علماء الإقليم على بيعته وطاعته، ولم يُخالف منهم أحد، وهو في حال طاعتهم واختيارهم، وفرحوا به أشدَّ الفرح، نظراً لما كانوا عليه من الضيق والترح، وكلُّ مَن سمع به من أهل الآفاق يزداد فيه رغبة، وذلك لعلمهم بقوة عقله، وشدة نجدته،وصلاح رأيه.
فعلى مَن بايع أن يبذل جهده في نصرته وعضده، لقول الصادق الأمين: «الدِّينُ النَّصيحَة، للهِ، ولرسولهِ، ولأئمَّةِالمُسلمينَ»،فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ۖ [الفتح: ١٠].
حضر ما ذُكر من العلماء والأشراف: السيّد الأعرَج، والسيّد محمد بن حَوّا بن يخلف وإخوته، والسيّد محمد بن الثعالبي، والسيّد عبد الرحمن بن حسن الطحاوي وإخوته، والسيّد محمد بن عبد الله بن الشيخ المشرفي وقرابته، وكافة أولاد السيّد أحمد بن علي.
حاصله: جميع علماء غَرِيس وأشرافه حضروا لهذه البيعة الميمونة، ورضوا بها،وحضرها كاتبه محمد بن عبد القادر، عامله الله بلطفه في الباطن والظاهر.
في الثالث من رجب الفرد، سنة ثمان وأربعين ومائتين وألف هجرية.
والخامس والعشرين من تشرين الثاني سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة وألف ميلادية.
ثم كتب جماعة من أعيان العلماء المشاهير، على هذا الصك،ما يُؤذِن بحضورهم للبيعة، وشهادتهم بها على أنفسهم، وعلى سائر من حضرها، فكتب العلامة سيّدي الجَدّ لأمي عمِّ الأمير، شقيق والده، السيّد علي بن أبي طالب بن مصطفى بن المختار، ما نصه:
الحمد لله
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله
بعد انعقاد البيعة للإمام الأعظم، والسلطان الأفخم، ابن أخينا السيّد عبد القادر بن محيي الدين، أحيا بهما الله الدين، وأعانهما الله على القيام بأموره، ودمَّر بهما الكفرة، أولى العناد، وأهلك بسطوتهما أهل البغي والفساد بايعناه على: السمع والطاعة، وامتثال الأمر، ولو في ولد الواحد منّا أونفسه، وقدَّمنا نفسه على أنفسنا، وحقَّه على حقوقنا، وإني أوصيه بتقوى الله، وطاعته في السرّ والعلانية، والوقوف عند الحدود الشرعية، وردّ مسائل الشرع إليه، وبتشميره عن ساعد الجِدّ في قطع شأفة شياطين الإنس، أهل الأذاية كالمحاربين، وقطاع السبل، وأهل الغِيلَة والسرقة، وغيرهم من هذا القبيل،ليتمَّ بذلك أمره، ويتَّضح به تأييده ونصره، وتشرق شمس الحقِّ على القلوب، وتطمئن بخدمته وطاعته الأفكار، ويسارع المؤمنون إلى الانقياد والإذعان لتكاليفه وأوامره، اللهمَّ أيِّدْه وانصُرْه نصراً تُعِزُّ به الدين، وألقِ التقوى في قلبه، وقوة اليقين، بجاه سيّد الأوَّلين والآخرين، وأحيِ به ما دُثِرَ من أحكام الخلفاء الراشدين، يا مالك الدين والدنيا والآخرة، وأدِمْ سرورنا وسرور جميع أهل محبته ومحبتنا، وأتمِمْ لنا المقصود، بما ينقطع به قلب الجحود،، آمين.
كتبه علي بن مصطفى
وكتب العّلامة السيّد بن عبد الله بن الشيخ المشرفي ما نصه:
الحمد لله
وصلى الله على سيّدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
بعد انعقاد البيعة للعالم النبيه، الصدر الوجيه، الناظم الناثر، أبي محمد السيّد عبد القادر، ابن عضد الملة والدين،شيخنا السيّد محيي الدين، من أهل الحَلّ والعَقد، والإمضاءوالرد، ممّا ذكر أعلاه، واطلاعنا على ما اتفق عليه السواد الأعظم، وبه فاه، لم يسعنا إلا الموافقة عليه، والجنوح لما استندوا إليه، فالله يلهمه رشده، ولا يمنعه رفده، وأن ينصر به الدين الحنفي، ويظهر به من أموره كل خفي، وأن يصلح به، وعلى يديه، وأن يُجنِّبه رأي المفسد والسفيه، وأوصيه بتقوى الله، في علانيته وسرِّه ونجواه،[النساء:( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ۚ)النساء١٣١
قاله بفمه، ورقمه بقلمه، كاتبه عن عجل، والقلب في وجل، ابن عبد الله بن الشيخ المشرفي الحسني، عفا الله عنه.
وكتب العلامة السيّد أحمد بن التهامي ما نصه:
الحمد لله
لما فتح الله للمسلمين أبوابه، ويسَّر للخير أسبابه، بإجابة الولي الصالح، والقطب السالك الناجح، شيخ أهل الفضل والدين، مولانا السيّد محيي الدين، لما طلبه منه المسلمون، من تقديم ابنه، الناسك الأنجد، العلامة الأسعد، على الإيالة الغربية، وما انضاف إليها من الإيالات، فاجتمع من له اتِّصاف بالحَلِّ والعَقد على نصرة السيّد المذكور ومبايعته، مذعنين متلقِّين تلك البيعة، بالفرح والسرور، فعقد له البيعة جميع مَن له دخول في تدبير الأمور، من عالم ومقرئ وشريف ورئيس من أي ناحية، من أهل الراشدية وغيرها، فبذلك ثبتت له البيعة الملكية، على الخاص والعام، يأمر وينهى، فلا يسقط من أمره ونهيه أدنى شيء، فعليه بتقوى الله فيما تولاه، وهو ناصرهومعينه على ما أولاه، وكان من جُملة مبايعيه الفقير كاتبه أحمد بن التهامي.
وكتب العّلامة الأوحد، السيّد محمد بن حوا:
الحمد لله
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه،وسلم تسليماً.
ولما فسد الزمان، وضاقت بالمساكين الأركان، من كثرة النهب، وقلة الأمان، ولم يجدوا مَن يَصلح لأمور المسلمين من الأعيان، سوى من ذُكر، فاتفقت كلمة المعتبرين، من أهل الوطن، على البيعة للسيّد المذكور بالأعلى، وأنا عبد الله، من جملة من اتفق معهم على ذلك، فنسأل الله الغني الكريم الوهاب أن يُسدِّده في جميع أفعاله، وأن يُمهِّد له البلاد، ويصلح به الفساد، ويهدي لطاعته العباد، كتبه محمد بن حوا.
وكتب العلامَّة، السيّد بالمختار بن عبد الرحمن بن رُوكَش:
الحمد لله
و صلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبهوسلم.
وعلى ما تضمَّنته رسومُ العلماء، في بيعة الإمام المذكور، وافق الموافقة التامة
كاتبه بالمختار بن عبد الرحمن بن روكش.
وبعد أن تمَّ أمر البيعة، على الوجه الذي سطَّرناه، أمر الأمير مجلس العلماء أن يكاتبوا رؤساء القبائل، في أطراف البلاد، بأمر البيعة، وما وقع عليه الاتفاق، وأن يُحيلوا عليهم في الحضور لأداء بيعتهم، كما أدّاها غيرهم، فكتبوا ما نصه:
الحمد لله، وصلى الله على سيّدنا محمد، وآله وصحبه وسلم.
أما بعد، فاعلموا معاشر العرب والبربر أن الإمارة الإسلامية، والقيام بشعائر الملة المحمدية بقطرنا، قد آل أمرهما الآن إلى الحسيب النسيب، ناصر الدين السيّد عبد القادر بن محيي الدين.
وجرت مبايعته على ذلك، من العلماء والأعيان، في غريسومعسكر، وصار إماماً لنا، ومُتكفِّلاً بإقامة الحدود الشرعية،وهو لا يقتفي آثارغيره، ولا يحذو حذوهم، ولا يُخصِّص لذاته مصاريف زائدة على الحاجة، كما كان الغير يفعله، ولا يُكلِّف الرعية شيئاً لم تأمر به الشريعة المطهرة، ولا يصرف شيئاً إلا بوجه الحقِّ.
وقد نشر راية الجهاد، وشمَّر عن ساعدِ الجدّ والنفع للعباد، وعمران البلاد، فمَن سمع النداء فعليه بالسعي لتقديم الطاعة، وأداء البيعة لإمام منكم، فاعلموا ذلك، وبادروا لامتثاله ولا تَشقُّوا العصا، ويذهب بكم الخلاف إلى ما لا خير لكم فيه، دُنيا وأخرى.
حُرِّر في معسكر من مجلس العلماء، في الثالث من رجب.
سنة ثمان وأربعين ومائتين وألف.
وعلى هذا المنحى، صدرت أوامر الأمير إلى سائر القبائل العربية والبربرية.
وهذا نصها:
الحمد لله
إلى قبيلة كذا،، خصوصاً أشرافها وعلماءها وأعيانها.
ووفقكم الله، وسد أموركم، وبعد:
فإن أهل معسكر وغريس الشرقي والغربي، ومن جاورهم واتَّحد بهم، قد أجمعوا على مبايعتي، وبايعوني على أن أكون أمير البلاد، وعاهدوني على السمع والطاعة، في اليُسر والعسر، وعلى بذل أنفسهم وأولادهم وأموالهم في إعلاء كلمة الله، وقد قبلتُ بيعتهم وطاعتهم، كما أنني قبلتُ هذا المنصب مع عدم ميلي إليه، مُؤمِّلاً أن يكون واسطة لجمع كلمة المسلمين، ورفع النزاع والخصام من بينهم، وتأمين السبل، ومنع الأعمال المنافية للشريعة المطهرة، وحماية البلاد من العدو، وإجراء الحق والعدل نحو القوي والضعيف، فلذلك ندعوكم لتتَّحدوا، وتتَّفقوا جميعاً.
واعلموا أن غايتي القصوى اتحاد الملة المحمدية، والقيام بالشعائر الأحمدية، وعلى الله اتكالي في ذلك كله، فاحضروا لدينا، لتُظهروا خضوعكم، وتُؤدُّوا بيعتكم، وفقكم الله،وأرشدكم.
✯ ✯ ✯
حُرِّر عن أمر السلطان ناصر الدين عبد القادر بن محيي الدين من معسكر، في الثالث من رجب، سنة ثمان وأربعين ومائتين وألف…